أمداد)، كأنه قال: بأربعة أمداد إلى خمسة (متفق عليه). وتقدم: أنه (ص) توضأ بثلثي مد، وقدمنا أنه أقل ما قدر به ماء وضوئه، ولو أخر المصنف ذلك الحديث إلى هنا، أو قدم هذا لكان أوفق لحسن الترتيب. ظاهر هذا الحديث أن هذا غاية ما كان ينتهي إليه وضوءه (ص)، وغسله، ولا ينافيه حديث عائشة الذي أخرجه البخاري: أنه (ص) توضأ من إناء واحد يقال له الفرق بفتح الفاء والراء، وهو إناء يسع تسعة عشر رطلا، لأنه ليس في حديثها أنه كان ملآنا ماء، بل قولها: من إناء يدل على تبعيض ما توضأ منه.
وحديث أنس هذا، والحديث الذي سلف عن عبد الله بن زيد: يرشدان إلى تقليل ماء الوضوء، والاكتفاء باليسير منه. وقد قال البخاري: وكره أهل العلم فيه: أي ماء الوضوء أن يتجاوز فعل النبي (ص).
(وعن عمر) بضم العين المهملة منقول من جمع عمرة، وهو: أبو حفص عمر بن الخطاب القرشي، يجتمع مع النبي (ص) في كعب بن لؤي، أسلم سنة ست من النبوة، وقيل: سنة خمس بعد أربعين رجلا. وشهد المشاهد كلها مع النبي (ص):
وله مشاهد في الاسلام، وفتوحات في العراق والشام. وتوفي في غرة المحرم سنة أربع وعشرين، طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وخلافته عشر سنين ونصف. (قال: قال رسول الله (ص): ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء) تقدم أنه إتمامه (ثم يقول) بعد إتمامه: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية) هو من باب: ونفخ في الصور. عبر عن الآتي بالماضي لتحقق وقوعه، والمراد: تفتح له يوم القيامة يدخل من أيها شاء (أخرجه مسلم)، وأبو داود، وابن ماجة، (والترمذي، وزاد: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
جمع بينهما إلماما بقوله تعالى: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) *. ولما كانت التوبة طهارة الباطن من أدران الذنوب، والوضوء طهارة الظاهر عن الاحداث المانعة عن التقرب إليه تعالى، ناسب الجمع بينهما: أي طلب ذلك من الله تعالى غاية المناسبة: في طلب أن يكون السائل محبوبا لله، وفي زمرة المحبوبين له. وهذه الرواية، وإن قال الترمذي بعد اخراجه الحديث: في إسناده اضطراب، فصدر الحديث ثابت في مسلم، وهذه الزيادة قد رواها البزار، والطبراني في الأوسط من طريق ثوبان بلفظ: من دعا بوضوء فتوضأ فساعة فرغ من وضوئه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين ورواه ابن ماجة من حديث أنس، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد بلفظ: من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق، ثم طبع بطابع، فلا يكسر إلى يوم القيامة.
وصحح النسائي: أنه موقوف، وهذا الذكر عقيب الوضوء. قال النووي: قال أصحابنا: ويستحب أيضا عقيب الغسل. وإلى هنا انتهى باب الوضوء، ولم يذكر المصنف من الأذكار فيه إلا حديث التسمية في أوله، وهذا الذكر في اخره. وأما حديث الذكر مع غسل كل عضو فلم