البول من الذكر، فيكفي فيه واحدة، مع أنه قد ورد بيان استعمال الثلاث في الدبر: بأن واحدة للمسربة واثنتين للصفحتين، ما ذاك إلا لاختصاصه بها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله (ص) نهى أن يستنجى بعظم، أو روث وقال: إنهما لا يطهران رواه الدارقطني وصححه.
وأخرجه ابن خزيمة بلفظ هذا، والبخاري بقريب منه، وزاد فيه أنه قال له أبو هريرة لما فرغ: ما بال العظم والروث؟ قال: هي من طعام الجن وأخرجه البيهقي مطولا كذا في الشرح، ولفظه في سنن البيهقي: أنه (ص) قال لأبي هريرة رضي الله عنه: ابغني أحجارا أستنفض بها، ولا تأتيني بعظم ولا روث، فأتيته بأحجار في ثوبي، فوضعتها إلى جنبه، حتى إذا فرغ وقام تبعته، فقلت: يا رسول الله ما بال العظم والروث؟ فقال: أتاني وفد نصيبين، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم ألا يمروا بروثة، ولا عظم إلا وجدوا عليه طعاما، والنهي في الباب عن الزبير، وجابر، وسهل بن حنيف، وغيرهم بأسانيد فيها ما فيه مقال، والمجموع يشهد بعضها لبعض. وعلل هنا بأنهما لا يطهران. وعلل بأنهما طعام الجن، وعللت الروثة بأنها ركس، والتعليل بعدم التطهير فيها عائد إلى كونها ركسا. وأما عدم تطهير العظم، فلانه لزج لا يكاد يتماسك فلا ينشف النجاسة ولا يقطع البلة. ولما علل (ص) بأن العظم والروثة طعام الجن، قال له ابن مسعود: وما يغني عنهم ذلك يا رسول الله؟ قال: إنهم لا يجدون عظما، إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أخذ، ولا وجدوا روثا، إلا وجدوا فيه حبه الذي كان يوم أكل رواه أبو عبد الله الحاكم في الدلائل، ولا ينافيه ما ورد: أن الروث علف وفيه دليل على أن الاستنجاء بالأحجار طهارة لا يلزم معها الماء، وإن استحب، لأنه علل بأنهما لا يطهران، فأفاد أن غيرهما يطهر.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
استنزهوا) من التنزه وهو البعد بمعنى: تنزهوا، أو بمعنى اطلبوا النزاهة (من البول فإن عامة عذاب القبر) أي أكثر من يعذب فيه (منه) أي بسبب ملابسته وعدم التنزه عنه (رواه الدارقطني). والحديث أمر بالبعد عن البول، وأن عقوبة عدم التنزه منه تعجل في القبر، وقد ثبت حديث الصحيحين: أنه (ص) مر بقبرين يعذبان، ثم أخبر: أن عذاب أحدهما، لأنه كان لا يستنزه من البول، أو لأنه يستتر من بوله من الاستتار: أي لا يجعل بينه وبين بوله ساترا يمنعه عن الملامسة له، أو: لأنه لا يستبرئ من الاستبراء، أو: لأنه لا يتوقاه، وكلها ألفاظ واردة في الروايات، والكل مفيد لتحريم ملامسة البول وعدم التحرز منه.
وقد اختلف الفقهاء هل إزالة النجاسة فرض أو لا؟ فقال مالك: إزالتها ليست بفرض. وقال الشافعي: إزالتها فرض ما عدا ما يعفى عنه منها. واستدل على الفرضية بحديث التعذيب على عدم التنزه من البول، وهو وعيد لا يكون إلا على ترك فرض. واعتذر لمالك عن الحديث: بأنه يحتمل أنه عذب، لأنه كان يترك البول يسيل عليه، فيصلي بغير طهور، لان الوضوء لا يصح مع وجوده، ولا يخفى أن أحاديث الامر بالذهاب إلى المخرج بالأحجار، والامر بالاستطابة دالة على