الروايات بقوله: وتعجلين العشاء، كما قال: وتعجلين العصر، لأنه أرشدها (ص) إلى ذلك، لملاحظة الاتيان بكل صلاة في وقتها، هذه في اخر وقتها، وهذه في أول وقتها.
وقوله في الحديث: ستة أو سبعة أيام ليست فيه كلمة أو شكا من الراوي، ولا للتخيير، بل للاعلام:
بأن للنساء أحد العددين، فمنهن من تحيض ستا، ومنهن من تحيض سبعا، فترجع إلى من هي في سنها، وأقرب إلى مزاجها، ثم قوله: فإن قويت يشعر بأنه ليس بواجب عليها، وإنما هو مندوب لها، وإلا، فإن الواجب إنما هو الوضوء لكل صلاة بعد الاغتسال عن الحيض: بمرور الستة أو السبعة الأيام، وهو الأمر الأول الذي أرشدها (ص) إليه، فإن في صدر الحديث امرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الاخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم. ثم ذكر لها الأمر الأول: أنها تحيض ستا أو سبعا، ثم تغتسل وتصلي، كما ذكره المصنف، وقد علم أنها تتوضأ لكل صلاة، لان استمرار الدم ناقض، فلم يذكره في هذه الرواية، وقد ذكره في غيرها، ثم ذكر الأمر الثاني في جمع الصلاتين، والاغتسال كما عرفت. وفي الحديث دليل على أنه لا يباح جمع الصلاتين في وقت أحدهما للعذر، إذ لو أبيح لعذر لكانت المستحاضة أول من يباح لها ذلك، ولم يبح لها ذلك، بل أمرها بالتوقيت، كما عرفت.
(وعن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة) بالحاء المهملة المفتوحة (بنت جحش) قيل: الأصح أن اسمها حبيبة وكنيتها أم حبيب بغير هاء وهي أخت حمنة التي تقدم حديثها (شكت إلى رسول الله (ص) الدم فقال: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) أي قبل استمرار جريان الدم (ثم اغتسلي) أي غسل الخروج عن الحيض (فكانت تغتسل لكل صلاة) من غير أمر منه (ص) لها بذلك (رواه مسلم.
وفي رواية للبخاري: وتوضئي لكل صلاة وهي) أي هذه الرواية (لأبي داود وغيره من وجه اخر). أم حبيبة: كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وبنات جحش ثلاث: زينب أم المؤمنين، وحمنة، وأم حبيبة، قيل: إنهن كن مستحاضات كلهن. وقد ذكر البخاري ما يدل على أن بعض أمهات المؤمنين كانت مستحاضة، فإن صح أن الثلاث مستحاضات فهي زينب، وقد عد العلماء المستحاضات في عصره (ص)، فبلغن عشر نسوة. والحديث دليل على إرجاع المستحاضة إلى أحد المعرفات، وهي أيام عادتها، وعرفت أن المعرفات: إما العادة التي كانت لها قبل الاستحاضة، أو صفة الدم بكونه أسود يعرف، أو العادة التي للنساء من الستة الأيام، أو السبعة، أو إقبال الحيضة وإدبارها. كل هذه قد تقدمت في أحاديث المستحاضة.
فبأيها وقع معرفة الحيض - والمراد حصول الظن لا اليقين - عملت به سواء كانت ذات عادة، أو لا، كما يفيده إطلاق الأحاديث، بل ليس المراد إلا ما يحصل لها ظن أنه حيض، وإن تعددت الامارات كان أقوى في حقها، ثم متى حصل ظن زوال الحيض وجب عليها الغسل، ثم تتوضأ لكل صلاة أو تجمع جمعا صوريا بالغسل. وهل لها أن تجمع الجمع الصوري بالوضوء؟
هذا لم يرد به نص في حقها، إلا أنه معلوم جوازه لكل أحد من غيره، وأما هل لها أن تصلي النوافل بوضوء الفريضة؟ فهذا مسكوت عنه أيضا، والعلماء مختلفون في ذلك كله.