ما روي في هذا الباب. وزعمت الشافعية أن الافضاء لا يكون إلا بباطن الكف، وأنه لا نقض إذا مس الذكر بظاهر كفه. ورد عليهم المحققون بأن الافضاء لغة: الوصول: أعم من أن يكون بباطن الكف، أو ظهرها. قال ابن حزم: لا دليل على ما قالوه لا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي صحيح. وأيدت أحاديث بسرة أحاديث أخر، عن سبعة عشر صحابيا مخرجة في كتب الحديث، ومنهم طلق بن علي راوي حديث عدم النقض، وتأول من ذكر حديثه في عدم النقض. بأنه كان في أول الأمر، فإنه قدم في أول الهجرة قبل عمارته (ص) مسجده، فحديثه منسوخ بحديث بسرة، فإنها متأخرة في الاسلام. وأحسن من القول بالنسخ القول بالترجيح، فإن حديث بسرة أرجح، لكثرة من صححه من الأئمة، ولكثرة شواهده، ولان بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار، وهم متوافرون، ولم يدفعه أحد، بل علمنا أن بعضهم صار إليه، وصار إليه عروة عن روايتها، فإنه رجع إلى قولها، وكان قبل ذلك يدفعه، وكان ابن عمر يحدث به عنها، ولم يزل يتوضأ من مس الذكر إلى أن مات. قال البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق بن علي: أنه لم يخرجه صاحبا الصحيح، ولم يحتج بأحد من رواته، وقد احتج بجميع رواة حديث بسرة، ثم إن حديث طلق من رواية قيس بن طلق. قال الشافعي: قد سألنا عن قيس بن طلق فلم نجد من يعرفه، فما يكون لنا قبول خبره. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: قيس بن طلق ليس فيمن تقوم به حجة، ووهياه. وأما مالك، فلما تعارض الحديثان قال بالوضوء من مس الذكر ندبا لا وجوبا.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (ص) قال: من أصابه قئ أو رعاف، أو قلس، أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم. أخرجه ابن ماجة، وضعفه أحمد وغيره. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (ص) قال: من أصابه قئ أو رعاف أو قلس) بفتح القاف وسكون اللام وفتحها وسين مهملة، (أو مذي) أي من أصابه ذلك في صلاته (فلينصرف) منها (فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك) أي: في حال انصرافه، ووضوئه (لا يتكلم. أخرجه ابن ماجة وضعفه أحمد، وغيره) وحاصل ما ضعفوه به: رفعه إلى النبي (ص) غلط، والصحيح أنه مرسل.
قال أحمد والبيهقي: المرسل الصواب. فمن يقول: إن المرسل حجة قال: ينقض ما ذكر فيه. والنقض بالقئ مذهب الهادوية، والحنفية، وشرطت الهادوية أن يكون من المعدة، إذ لا يسمى قيئا إلا ما كان منها، وأن يكون ملء الفم دفعة، لورود ما يقيد المطلق هنا، وهو قئ ذارع ودسعة - دفعة - تملأ الفم كما في حديث عمار، وإن كان قد ضعف. وعند زيد بن علي أنه ينقض مطلقا عملا بمطلق هذا الحديث، وكأنه لم يثبت عنده حديث عمار. وذهب جماعة من أهل البيت، والشافعي، ومالك إلى أن القئ غير ناقض، لعدم ثبوت حديث عائشة هذا مرفوعا، والأصل عدم النقض، فلا يخرج عنه إلا بدليل قوي. وأما الرعاف ففي نقضه الخلاف أيضا، فمن قال بنقضه فهو عمل بهذا الحديث، ومن قال بعدم نقضه فإنه عمل بالأصل، ولم يرفع هذا الحديث. وأما الدم الخارج من أي موضع من البدن من غير السبيلين، فيأتي الكلام عليه في حديث أنس: أنه (ص) احتجم، وصلى، ولم يتوضأ. وأما القلس وهو ما خرج من الحلق ملء الفم، أو دونه وليس بقئ، فإن عاد فهو القئ، فالأكثر على أنه غير ناقض، لعدم نهوض الدليل، فلا يخرج من