ترجمة الحافظ ابن حجر مؤلف بلوغ المرام هو أحمد بن علي بن محمد أبو الفضل الكناني الشافعي المعروف بابن حجر العسقلاني حامل لواء السنة قاضي أوحد الحفاظ والرواة. ولد بمصر في شعبان سنة 773 وبها نشأ، وحفظ القرآن والحاوي ومختصر ابن الحاجب وغيرها، وسافر صحبة أحد أوصيائه إلى مكة المكرمة فسمع بها، ثم حبب إليه الحديث فاشتغل بطلبه من كبار شيوخه في البلاد الحجازية والشامية والمصرية، ولا سيما الحافظ العراقي، وتفقه بالبلقيني وابن الملقن وغيرهما وأذنوا له بالتدريس والافتاء. وأخذ الأصلين وغيرهما عن العز بن جماعة، واللغة عن المجد الفيروزآبادي، والعربية عن المعماري، والأدب والعروض عن البدر البشتكي، والكتابة عن جماعة. وقرأ بعض القرآن بالسبع على التنوخي، وجد في الفنون حي بلغ فيها الغاية، وتصدى لنشر الحديث وعكف عليه مطالعة وقراءة وإقراء وتصنيفا وإفتاء. وباشر القضاء بالديار المصرية استقلالا مدة تزيد على إحدى وعشرين سنة بأشهر تخللها ولاية جماعة. ودرس التفسير والحديث والفقه والوعظ بعدة أماكن. وخطب بالأزهر وجامع عمرو وغيرهما، وأملى من حفظه الكثير. ولقد توافد إليه الفضلاء ورؤوس العلماء ليغترفوا من فيضه ويرووا من علمه.
وقد بلغت تصانيفه مائة وخمسين، وقل أن تجد فنا من فنون الحديث إلا له مؤلفات حافلة فيه، ولقد انتشرت هذه التصانيف في حياته وتهاداها الملوك والأمراء. ومن تلك المؤلفات الإصابة في أسماء الصحابة. وتهذيب. والتقريب، وتعجيل المنفعة برجال الأربعة.
ومشتبه النسبة. وتلخيص الخبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. وتخرج المصابيح.
وابن الحاجب. وتخرج الكشاف، وإتحاف المهرة. والمقدمة. وبذل الماعون. ونخبة الفكر وشرحها. والخصال المفكرة. والقول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد. وبلوغ المرام.
وديوان خطبه. وديوان شعره. ومخلص ما يقال في الصباح والمساء. والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. وغير ذلك من كتبه القيمة. ولو لم يكن له إلا كتابه: فتح الباري: في شرح صحيح البخاري: لكفى في الإشادة بذكره والوقوف على جلاة قدره، فان هذا الكتاب بحق هو قاموس السنة، وقد بدأ تأليفه في مفتتح سنة 817 بعد أن أكمل مقدمته في سنة 813، وانتهى منه في غرة رجب سنة 842، وقد أولم عند ختمه وليمة حضرها وجوه المسلمين أنفق فيها 500 دينار: أي 250 جنيها مصريا، وقد طلبه الملوك، واشترى بثلاثمائة دينار: أي خمسين ومائة جنيه، فجزاه الله عن السنة خير الجزاء. هذا إلى تواضعه وحمله واحتماله وصبره وبهائه وظرفه وقيامه وصومه واحتياطه وورعه وبذله وكرمه وهضمه لنفسه وميله إلى النكت اللطيفة والنوادر الظريفة، وفريد أدبه مع الأئمة المتقدمين والمتأخرين ومع كل من يجالسه من صغير وكبير.
وقد اختاره الله لجواره بعد عشاء ليلة السبت ثامن عشر ذي الحجة سنة 852 ه، أجزل الله له الثواب وجزاه خير الجزاء.