وأن يكون على محل مرتفع، بخلاف الإقامة، فإنها لاعلام الحاضرين، فلا حاجة إلى تكرير ألفاظها، ولذا شرع فيها خفض الصوت والحدر، وإنما كررت جملة قد قامت الصلاة لأنها مقصود الإقامة (وزاد أحمد في اخره) ظاهره في حديث عبد الله بن زيد: (قصة قول بلال في أذان الفجر الصلاة خير من النوم) روى الترمذي، وابن ماجة، وأحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: قال لي رسول الله (ص): لا تثوبن في شئ من الصلاة، إلا في صلاة الفجر إلا أن فيه ضعيفا، وفيه انقطاع أيضا. وكان على المصنف أن يذكر ذلك على عادته، ويقال التثويب مرتين كما في سنن أبي داود، وليس الصلاة خير من النوم في حديث عبد الله بن زيد، كما ربما توهمه عبارة المصنف حيث قال في اخره، وإنما يريد أن أحمد ساق رواية عبد الله بن زيد، ثم وصل بها رواية بلال (ولابن خزيمة عن أنس رضي الله عنه قال: من السنة) أي طريقة النبي (ص) (إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح) الفلاح: هو الفوز والبقاء. أي هلموا إلى سبب ذلك (قال: الصلاة خير من النوم) وصححه ابن السكن، وفي رواية النسائي: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في الأذان الأول من الصبح وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات. قال ابن رسلان: وصحح هذه الرواية ابن خزيمة. قال: فشرعية التثويب إنما هي في الأذان الأول للفجر، لأنه لايقاظ النائم، وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت، ودعاء إلى الصلاة. ولفظ النسائي في سننه الكبرى: من جهة سفيان عن أبي جعفر عن أبي سليمان عن أبي محذورة. قال: كنت أؤذن لرسول الله (ص)، فكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم قال ابن حزم: وإسناده صحيح اه من تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي. ومثل ذلك في سنن البيهقي الكبرى: من حديث أبي محذورة: أنه كان يثوب في الأذان الأول من الصبح، بأمره (ص). قلت: وعلى هذا، ليس الصلاة خير من النوم من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة، والاخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لايقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضا عن الأذان الأول. وإذا عرفت هذا: هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب هل هو من ألفاظ الأذان، أو لا؟ وهل هو بدعة، أو لا؟ ثم المراد من معناه: اليقظة للصلاة خير من النوم. أي من الراحة التي يعتاضونها في الآجل خير من النوم. ولنا كلام في هذه الكلمة أودعناه رسالة لطيفة.
(وعن أبي محذورة) تقدم ضبطه وبيان حاله (أن النبي (ص) علمه الأذان) أي ألقاه (ص) بنفسه، في قصة حاصلها: أنه خرج أبو محذورة بعد الفتح إلى حنين، هو وتسعة من أهل مكة، فلما سمعوا الأذان، أذنوا استهزاء بالمؤمنين، فقال (ص): قد سمعت في هؤلاء تأذين انسان حسن الصوت، فأرسل إلينا فأذنا رجلا رجلا، وكنت اخرهم، فقال حين أذنت: تعال، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبرك