عام من تلقاء أنفسهم، ولها نظائر في عباراتهم. ولهذا ذكر المصنف هذا الحديث هنا، لإفادة تحريم الوضوء في انية الذهب والفضة لأنه استعمال لهما على مذهبه في تحريم ذلك، وإلا فباب هذا الحديث باب الأطعمة والأشربة. ثم هل يلحق بالذهب والفضة نفائس الأحجار كالياقوت والجواهر؟ فيه خلاف، والأظهر عدم إلحاقه، وجوازه على أصل الإباحة، لعدم الدليل الناقل عنها.
وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله (ص): الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم متفق عليه. (وعن أم سلمة رضي الله عنها) هي أم المؤمنين زوج النبي (ص)، اسمها هند بنت أبي أمية، كانت تحت أبي سلمة بن عبد الأسد، هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها، وتوفي عنها في المدينة بعد عودتهما من الحبشة، وتزوجها النبي (ص) في المدينة سنة أربع من الهجرة، وتوفيت سنة تسع وخمسين، وقيل: اثنتين وستين، ودفنت بالبقيع، وعمرها أربع وثمانون سنة (قالت: قال رسول الله (ص): الذي يشرب في إناء الفضة) هكذا عند الشيخين. وانفرد مسلم في رواية أخرى بقوله: في إناء الفضة والذهب (إنما يجرجر) بضم المثناة التحتية وجيم فراء وجيم مكسورة. والجرجرة: صوت وقوع الماء في الجوف، وصوت البعير عند الجرة، وجعل الشرب والجرع جرجرة (في بطنه نار جهنم. متفق عليه) بين الشيخين. قال الزمخشري: يروى برفع النار أي: على أنها فاعل مجازا، وإلا فنار جهنم على الحقيقة لا تجرجر في بطنه، إنما جعل جرع الانسان للماء في هذه الأواني المنهي عنها، واستحقاق العقاب على استعمالها: كجرجرة نار جهنم في جوفه مجازا، هكذا على رواية الرفع. وذكر الفعل يعني يجرجر وإن كان فاعله النار وهي مؤنثة للفصل بينها وبين فعلها، ولان تأنيثها غير حقيقي، والأكثر على نصب جهنم، وفاعل الجرجرة هو الشارب والنار مفعوله، والمعنى: كأنما يجرع نار جهنم من باب: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) *. قال النووي:
والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الشارحون وأهل العرف واللغة، وجزم به الأزهري.
وجهنم عجمية لا تنصرف للتأنيث والعلمية، إذ هي علم لطبقة من طبقات النار، أعاذنا الله منها، سميت بذلك لبعد قعرها، وقيل: لغلظ أمرها في العذاب. والحديث يدل على ما دل عليه حديث حذيفة الأول.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله (ص): إذا دبغ الإهاب فقد طهر أخرجه مسلم. وعند الأربعة أيما إهاب دبغ. (وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله (ص): (إذا دبغ الإهاب) بزنة كتاب هو الجلد، أو ما لم يدبغ كما في القاموس، ومثله في النهاية (فقد طهر) بفتح الطاء والهاء ويجوز ضمها كما يفيده القاموس (أخرجه مسلم) بهذا اللفظ (وعند الأربعة) وهم أهل السنن: (أيما إهاب دبغ) تمامه فقد طهر. والحديث أخرجه الخمسة، إنما اختلف لفظه، وقد روى بألفاظ، وذكر له سبب، وهو: أنه (ص) مر بشاة ميتة لميمونة فقال: ألا استمتعتم بإهابها فإن دباغ الأديم طهور، وروى البخاري: من حديث سودة قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننتبذ فيه حتى صار شنا. والحديث دليل على أن الدباغ، مطهر لجلد ميتة كل حيوان، كما يفيده عموم كلمة أيما، وأنه يطهر باطنه وظاهره. وفي المسألة سبعة أقوال: الأول: أن الدباغ يطهر جلد الميتة