يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه، واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل على الناس بوجهه فقال: إنه لو حدث في الصلاة شئ أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم) في البشرية، وبين وجه المثلية بقوله: (أنسى، كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته) هل زاد أو نقص؟ (فليتحر الصواب) بأن يعمل بظنه من غير تفرقة بين الشك في ركعة، أو ركن، وقد فسره حديث عبد الرحمن بن عوف الذي قدمناه (فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين. متفق عليه). ظاهر هذا الحديث أنهم تابعوه (ص) على الزيادة، ففيه دليل: على أن متابعة المؤتم للامام فيما ظنه واجبا لا يفسد صلاته، فإنه (ص) لم يأمرهم بالإعادة، وهذا في حق أصحابه في مثل هذه الصورة، لتجويزهم التغيير في عصر النبوة، فأما لو اتفق الآن قيام الامام إلى الخامسة سبح له من خلفه، فإن لم يقعد انتظروه قعودا، حتى يتشهدوا بتشهده ويسلموا بتسليمه، فإنها لم تفسد عليه حتى يقال يعزلون، بل فعل ما هو واجب في حقه. وفي هذا دليل، على أن محل سجود السهو بعد السلام، إلا أنه قد يقال: إنه (ص) ما عرف سهوه في الصلاة إلا بعد أن سلم منها، فلا يكون دليلا.
واعلم أنه قد اختلفت الأحاديث في محل سجود السهو واختلفت بسبب ذلك أقوال الأئمة.
قال بعض أئمة الحديث: أحاديث باب سجود السهو قد تعددت: منها حديث أبي هريرة فيمن شك، فلم يدر كم صلى؟. وفيه الامر أن يسجد سجدتين، ولم يذكر موضعهما، وهو حديث أخرجه الجماعة، ولم يذكروا فيه محل السجدتين، هل هو قبل السلام أو بعده؟ نعم عند أبي داود، وابن ماجة فيه زيادة: قبل أن يسلم. ومنها حديث أبي سعيد من شك. وفيه: أنه يسجد سجدتين قبل التسليم. ومنها حديث أبي هريرة، وفيه: القيام إلى الخشبة، وأنه سجد بعد السلام ومنها حديث ابن بحينة، وفيه: السجود قبل السلام. ولما وردت هكذا اختلفت آراء العلماء في الاخذ بها، فقال داود: تستعمل في مواضعها على ما جاءت به، ولا يقاس عليها، ومثله قال أحمد في هذه الصلاة خاصة، وخالف فيما سواها، فقال: يسجد قبل السلام لكل سهو.
وقال آخرون: هو مخير في كل سهو: إن شاء سجد بعد السلام، وإن شاء قبل السلام في الزيادة والنقص. وقال مالك: إن كان السجود لزيادة سجد بعد السلام، وإن كان لنقصان سجد قبله.
وقالت الهادوية، والحنفية: الأصل في سجود السهو بعد السلام، وتأولوا الأحاديث الواردة في السجود قبله، وستأتي أدلتهم. وقال الشافعي: الأصل السجود قبل السلام، ورد ما خالفه من الأحاديث بادعائه نسخ السجود بعد السلام. وروى عن الزهري قال: سجد رسول الله (ص) سجدتي السهو قبل السلام، وبعده، واخر الامرين قبل السلام، وأيده برواية معاوية: أنه (ص) سجدهما قبل السلام وصحبته متأخرة. وذهب إلى مثل قول الشافعي أبو هريرة، ومكحول، والزهري، وغيرهم. قال في الشرح: وطريق الانصاف: أن الأحاديث الواردة في ذلك قولا وفعلا فيها نوع تعارض، وتقدم بعضها، وتأخر البعض غير ثابت برواية صحيحة موصولة، حتى يستقيم القول بالنسخ، فالأولى الحمل على التوسع في جواز الامرين. ومن أدلة الهادوية