وقد ورد: أنه (ص) قرأ في المغرب بالمص، وأنه قرأ فيها بالصافات، وأنه قرأ فيها بحم الدخان، وأنه قرأ فيها سبح اسم ربك الأعلى، وأنه قرأ فيها والتين والزيتون، وأنه قرأ فيها بالمعوذتين، وأنه قرأ فيها بالمرسلات، وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل، وكلها أحاديث صحيحة. وأما المداومة في المغرب على قصار المفصل، فإنما هو فعل مروان بن الحكم، وقد أنكر عليه زيد بن ثابت، وقال له: مالك تقرأ بقصار المفصل، وقد رأيت رسول الله (ص) يقرأ في المغرب بطولى الطوليين تثنية طولى، والمراد بهما: الأعراف، والانعام، والأعراف أطول من الانعام، إلى هنا أخرجه البخاري: وهي الأعراف. وقد أخرج النسائي:
أنه (ص) فرق الأعراف في ركعتي المغرب. وقد قرأ في العشاء بالتين والزيتون، ووقت لمعاذ فيها بالشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى ونحوه والجمع بين هذه الروايات: أنه وقع ذلك منه (ص) باختلاف الحالات، والأوقات، والاشغال، عدما ووجودا.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة ألم تنزيل السجدة) أي في الركعة الأولى (وهل أتى على الانسان) أي في الثانية (متفق عليه). فيه دليل على أن ذلك كان دأبه (ص) في تلك الصلاة، وزاد استمراره على ذلك بيانا قوله:
(وللطبراني من حديث ابن مسعود يديم ذلك). أي يجعله عادة دائمة له.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: السر في قراءتهما في صلاة فجر يوم الجمعة: أنهما تضمنتا ما كان، وما يكون في يومهما، فإنهما اشتملتا على خلق ادم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون في يوم الجمعة، ففي قراءتهما تذكير للعباد بما كان فيه، ويكون. قلت: ليعتبروا بذكر ما كان، ويستعدوا لما يكون.
(وعن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي (ص) فما مرت به اية رحمة إلا وقف عندها يسأل) أي يطلب من الله رحمته (ولا اية عذاب إلا تعوذ منها) مما ذكر فيها (أخرجه، وحسنه الترمذي). في الحديث دليل على أنه ينبغي للقارئ في الصلاة تدبر ما يقرؤه، وسؤال رحمته، والاستعاذة من عذابه، ولعل هذا كان في صلاة الليل، وإنما قلنا ذلك، لان حديث حذيفة مطلق، وورد تقييده بحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: سمعت رسول الله (ص) يقرأ في صلاة ليست بفريضة، فمر بذكر الجنة والنار فقال: أعوذ بالله من النار ويل لأهل النار رواه أحمد، وابن ماجة بمعناه، وأخرج أحمد عن عائشة: قمت مع رسول الله (ص) ليلة التمام، فكان يقرأ بالبقرة، والنساء، وال عمران، ولا يمر باية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل، واستعاذ، ولا يمر باية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل، ورغب إليه. وأخرج النسائي، وأبو داود، من حديث عوف بن مالك: قمت مع رسول الله (ص)، فبدأ، فاستاك، وتوضأ، ثم قام فصلى، فاستفتح البقرة، لا يمر باية رحمة إلا وقف، فسأل، ولا يمر باية عذاب إلا