الكلام على أنه في ركوعه لا يرفع رأسه، ولا يخفضه، كما تقدم على قوله وكان إذا رفع رأسه إلى قوله: وكان يقول: التحية والمراد بها: الثناء المعروف بالتحيات لله: الآتي لفظه في حديث ابن مسعود إن شاء الله تعالى، ففيه شرعية التشهد الأوسط، والأخير. ولا يدل على الوجوب، لأنه فعل، إلا أن يقال: إنه بيان لاجمال الصلاة في القران: المأمور بها وجوبا، والأفعال لبيان الواجب واجبة، أو يقال: بإيجاب أفعال الصلاة لقوله (ص): صلوا كما رأيتموني أصلي وقد اختلف في التشهدين، فقيل: واجبان، وقيل: سنتان، وقيل: الأول سنة، والأخير واجب، ويأتي الكلام في حديث ابن مسعود إن شاء الله تعالى: على التشهد الأخير.
وأما الأوسط، فإنه استدل من قال بالوجوب بهذا الحديث كما قررناه، وبقوله (ص):
إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله الحديث. ومن قال: بأنها سنة، استدل بأنه (ص) لما سها عنه، لم يعد لأدائه، وجبره بسجود السهو، ولو وجب لم يجبره سجود السهو، كالركوع وغيره من الأركان، وقد رد هذا الاستدلال: بأنه يجوز أن يكون الوجوب مع الذكر، فإن نسي حتى دخل في فرض اخر: جبره سجود السهو. وفي قولها: وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ما يدل على أنه كان جلوسه (ص) بين السجدتين، وحال التشهد، وقد ذهب إليها الهادوية، والحنفية، ولكن حديث أبي حميد الذي تقدم فرق بين الجلوسين، فجعل هذا صفة الجلوس بعد الركعتين، وجعل صفة الجلوس الأخير: تقديم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، والقعود على مقعدته. وللعلماء خلاف في ذلك، والظاهر: أنه من الأفعال المخير فيها. وفي قولها: ينهى عن عقبة الشيطان أي في القعود، وفسرت بتفسيرين: أحدهما أنه يفترش قدميه ويجلس بأليتيه على عقبيه، ولكن هذه القعدة اختارها العبادلة في القعود غير الأخير، وهذه تسمى إقعاء، وجعلوا المنهي عنه هو الهيئة الثانية، وتسمى أيضا إقعاء وهي أن يلصق الرجل أليتيه في الأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض، كما يقعى الكلب. وافتراش الذراعين تقدم أنه: بسطهما على الأرض حال السجود، وقد نهى (ص) عن التشبه بالحيوانات، نهى عن بروك: كبروك البعير، والتفات: كالتفات الثعلب، وافتراش: كافتراش السبع، واقعاء: كإقعاء الكلب، ونقر: كنقر الغراب، ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب خيل شمس. وفي قولها: وكان يختم الصلاة بالتسليم دلالة على شرعية التسليم، وأما إيجابه فيستدل له بما قدمناه سابقا.
(وعن ابن عمر: أن النبي (ص) كان يرفع يديه حذو) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة: أي مقابل (منكبيه إذا افتتح الصلاة) تقدم في حديث أبي حميد الساعدي (وإذا كبر للركوع) رفعهما (وإذا رفع رأسه) أي أراد أن يرفعه (من الركوع. متفق عليه). فيه شرعية رفع اليدين في هذه الثلاثة المواضع. أما عند تكبيرة الاحرام، فتقدم فيه الكلام. وأما عند الركوع والرفع منه، فهذا الحديث دل على مشروعية ذلك. قال محمد بن نصر المروزي: أجمع علماء الأمصار على ذلك، إلا أهل الكوفة.