فإنه يستحب له أن يكاتبه على ذلك إذا علم أن له قدرة على أداء ثمنه وفك رقبته بأن يكون ذا صناعة أو حرفة أو غير ذلك، وإن طلب العبد الكتابة استحب له أيضا أن يكاتبه وإن لم يعلم من حاله ما ذكرناه ولا يمتنع من مكاتبته بسبب أنه ليس له حرفة ولا صناعة، ومتى كاتبه فليعنه على فك رقبته بشئ من ماله من سهم الرقاب، وللإنسان أن يكاتب مملوكه على أي ثمن شاء قليلا كان أو كثيرا غير أنه يستحب ألا يغلو بثمنه ولا يتجاوز به القدر الذي هو ثمن له.
والمكاتبة على ضربين: مطلق ومشروط.
فإذا كانت مشروطة وهو أن يقول لعبده في حال المكاتبة: متى عجزت عن أداء ثمنك فأنت رد في الرق ولي جميع ما أخذت منك، فمتى عجز عن ذلك وحد العجز هو أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على فك رقبته وأداء ثمنه فإنه يرجع رقا، وإن كان قد أدى شيئا كان لمولاه فإن كان عجزه إنما هو لتأخير نجم إلى نجم، فيستحب لمولاه أن يصبر عليه حتى يوفيه فإن لم يفعل ورده في الرق كان له ذلك.
فإن مات هذا المكاتب وخلف مالا وأولادا كان ما ترك لمولاه دون غيره وكان أولاده مماليك له، ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرف في نفسه بالتزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق ما دام قد بقي عليه شئ وإنما يجوز له التصرف في ماله بالبيع والشراء إذا أذن له سيده، ومتى حصل عليه دين كان مولاه ضامنا له إذا كان مأذونا له في ذلك لأنه عبده.
والضرب الآخر من الكتابة هو أن يكاتبه على شئ معلوم ونجوم معلومة ولا يشرط عليه أنه إن عجز فهو رد في الرق. فمتى أدى شيئا من مكاتبته انعتق منه بحساب ذلك ولم يكن لمولاه عليه سبيل.
فإن مات المكاتب فترك مالا وترك أولادا ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبودية وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا، فإن كان المكاتب قد رزق الولد بعد الكتابة من أمة له كان حكم ولده حكمه في أنه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه، فإن أدى الابن ما كان قد بقي على أبيه صار حرا لا سبيل لمولاه عليه، وإن لم يكن له مال استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه فمتى أداه صار حرا.