ومحل الشاهد هنا: أن آحاد المئات من أهل الصفة لم ينتحلوا صفة الصرع والجنون والغشيان ولم يخبرنا التاريخ أن أحدا منهم انتحل هذا الفن أو لعب ذاك الدور إلا أبو هريرة، على أنه أغلب المهاجرين جياع ولكنهم يشدون الحجر على بطونهم ولم ينتحلوا صفات مفتعلة وإنما تجلببوا بجلباب العفة والعزة والشرف.
وثمة افتعالات مماثلة شاهدتها رؤيا العين مثال ذلك: يأتي بعض المتسولات ينيمن أولادهن على إحدى الجسور لإيهام أنهم لا يستطيعون الحركة من شدة الجوع بل مغشي عليهم، ثم ينادين المارة بعنوان أيتام أو يتامى ولقد رأيت إحداهن مرة على الجسر تنيم ولدها بالقوة على غير رضى منه ولكنه كطفل برئ وجد منها لحظات غرة فوثب من نومه وفر هاربا من بين يديها.
مثال آخر: كان نظام المشافي في بلدنا - خلال عقود الستينات من هذا القرن - أن لا يدخلها إلا من يحمل بطاقة فقر حال، أو يسعف إسعافا لمرض خطير طارئ، ولكن بعض الناس وجدوا الحل المناسب فإذا اشتكى أحد من بعض الأمراض الخفيفة ولا بطاقة عنده ويريد أن يعاين أو يعالج مجانا يلقي نفسه في الشارع مغشيا عليه من المرض فيخبر له هاتفيا فتنقله سيارة الإسعاف ولها عواء فيدخل المشفى ويحصل المطلوب.
وهكذا اتخذ أبو هريرة من تلك الأدوار مجلبة للعيش وموردا للرزق، أعني بذلك شبع بطنه، ومن الغريب الملاحظ أن الصحابة وبالأخص سكان المدينة المنورة فإنهم يعرفون أبا هريرة بحكم ملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " حسب المدعى " ويعرفون أنه ليس بمجنون ولا مصروع ويعرفون