3 - منهومان لا يشبعان وهكذا أشربت حب التصوف وطلب العلم من سن العاشرة فإذا اشتد يظهر على جوارحي وإن ضعف يكمن بين جوانحي إلى أن بلغت من العمر سن الثلاثين فأصبحت رجلا مستقلا ذا دار وزوجة وأولاد أكد وأكابد، صابرا على صخب العيش ونكد الحياة وكل ذلك بلا شيخ صوفي يرشدني ولا عالم شرعي يمنهجني، فالمدرسة بيتي والمدرس صفحة ذهني والمنهج المقرر كل كتاب وقع بيدي فأصبح قلبي منفتحا بصفاء البادية ولساني أعرج بعجمتها حيث لا أستطيع أن أعبر عما يدور بخلدي ولو بأدنى مستوى نحوي أو بلاغي.
فأحسست بالنقص فذهبت أفكر في الخلاص فوجدت الحل في الكتب المدرسية، وقلت في نفسي أنني لست أقل فهما من الطفل الذي يدرس الصف السادس ثم بدأت أستعير من الطلبة كتاب النحو الابتدائي فدرسته بلهف وصدق ثم السابع والثامن ثم التاسع وانتهيت بقواعد الصف الخاص في دور المعلمين للأستاذ الكريم تركي محسن الرمضان من بني عمومتي.
ثم أخذت شرح قطر الندى لابن هشام وشرح ابن عقيل ودرستهما بصدق معتمدا على الفهم أكثر من الحفظ وكنت اعمل في النهار وأدرس في الليل وأطيل السهر، حيث اشتكى بعض أفراد أسرتي قائلين للناس بأنني أضعت أكثر من سنة ونصف السنة أسهر الليالي الطوال أخاطب نفسي " قال زيد وقال عمرو ".
وبعد زمن لم يطل كثيرا بدأت أتأمل في دراستي وتصوفي أياما وليالي فانفعلت نفسي متأثرة بخيبة الأمل وكأنني أشم رائحة النقص تخرج من باطني وكنت أكرر هذين البيتين: