وتارة يمثل دور المجنون بأبدع تمثيل وحسبنا ما أخرج البخاري بسنده عن محمد ابن سيرين قال: " كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان فتمخط فقال: " بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتاب لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حجرة عائشة مغشيا علي فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون ما بي إلا الجوع " (1).
وتارة يمثل دور المغشي عليه دون الجنون فقد أخرج البخاري بسنده عنه قال: " أصابني جهد شديد فلقيت عمر بن الخطاب فاستقرأته آية من كتاب الله فدخل داره وفتحها علي فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع فإذا رسول الله قائم على رأسي فقال: " يا أبا هر فقلت: لبيك وسعديك فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي فانطلق بي إلى رحله فأمر لي بعس من لبن فشربت منه... حتى استوى بطني فصار كالقدح... " (2).
والدليل على أن أبا هريرة انتحل الأدوار انتحالا: أن أهل الصفة من المهاجرين فقراء مثله، لم تكن لهم موارد عيش ولا مساكن بالمدينة ولا عشائر، وكانوا يقلون ويكثرون حب الظروف، وأعلى الإحصائيات التي عثرنا عليها إحصائية السهروردي في عوارف المعارف قال: " كانوا نحوا من أربعمائة رجل " (3) ومنهم ابن أم مكتوم (4) وأبو ذر الغفاري كما في تلبيس ابن الجوزي (5)،