الآن كما عرفت، ولا دليل على الفرق بين الظهور والغيبة حتى يشترط الإذن عند الظهور دون الغيبة، وما يتوهم من أن الفقهاء مأذونون لإذنهم في القضاء والفتيا وهما أعظم فظاهر الفساد، للزوم تعطل الأحكام وتحير الناس في أمور معاشهم ومعادهم وظهور الفساد فيهم واستمراره إن لم يقضوا أو يفتوا، ولا كذا الجمعة إذا تركت، وأيضا إن لم يقضوا ويفتوا لم يحكموا بما أنزل الله وكتموا العلم وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرمة الجميع مقطوعة ضرورة من الدين، وإن صلوا الجمعة قاموا مقام الإمام وأخذوا منصبة من غير إذنه، وإن سلمنا الإذن في بعض الأخبار فهو مظنون كما حصل في سائر الجماعات، وجواز الأخذ به هنا ممنوع لأنه أخذ لمنصب الإمام وائتمام بمن أخذه، فما لم يحصل القطع بالإذن كما حصل في سائر الجماعات لم يجز شئ منهما كسائر مناصبه، ولأنه لا ضرورة تدعو إليه كما تدعو الضرورة إلى اتباع الظن في أكثر المسائل، للاتفاق على وجوب الظهر إذا لم يحصل الإذن لأحد في إمامة الجمعة، فما لم يقطع به يصلي الظهر تحرزا عن غصب منصب الإمام والاقتداء بغاصبه وفعل عبادة غير مشروعة، خصوصا وظاهر الأصحاب وصريح الفاضل الاجماع على أن الجمعة إنما تجب في الغيبة تخييرا، ففعلها مردد بين الجواز والحرمة، وكل أمر تردد بينهما وجب الاجتناب عنه حتى يعلم الجواز، وهو ضروري عقلا ودينا، وغاية الأمر أن يتردد فعلها بين الوجوب عينا والحرمة، والواجب في كل أمر كذلك أيضا الاجتناب، لأن الأصل عدم الوجوب، والناس في سعة مما لا يعلمون، فالتارك لاحتمال الحرمة والجهل بالوجوب معذور، بخلاف الفاعل لاحتماله الوجوب أو ظنه مع احتمال الحرمة.
لا يقال: الأربع ركعات أيضا مترددة بين الوجوب والحرمة إن قلنا بتعين الجمعة ركعتين لا التخيير بينهما، لأنا نقول: نعم ولكنا مضطرون إلى فعل أحدهما متحيرون إذن في الترجيح، فإما أن يتأمل حتى نرجح إحداهما أو نأتي بهما جميعا، وإذا تأملنا