وأوضح منهما فسادا الاستدلال بالاستصحاب: أي وجوب الجمعة حال حضور الإمام أو نائبه ثابت باجماع المسلمين فيستصحب إلى زمن الغيبة وإن فقد الشرط المدعى إلى أن يحصل الدليل الناقل عن ذلك الحكم، وهو منتف، وفيه مضافا إلى ما عرفت من الاجماع على اشتراط الوجوب به حال الحضور، حتى أن الشهيد الثاني الذي هو عمدة الخصوم سلم ذلك فيه، فالاستصحاب وقاعدة المشاركة تقتضي السقوط حينئذ، لانتفاء الشرط أولا، وأنه لا يصلح لنفي الشرطية في الصحة بناء على إجمال العبادة إن كان المراد به ذلك، كأصالة عدم الشرطية، وثانيا أن الحكم قد تعلق بالحاضرين الواجدين للشرط، فاستصحابه بحيث يثبت الحكم على غيرهم غير معقول، وإن أريد به أن مقتضى الاستصحاب ثبوته في حق الحاضرين على تقدير فقدهم الشرط ففيه أنه لا معنى لاستصحاب الحكم المتعلق بهم المحتمل لكونه مشروطا عندهم، ونفي الشرطية بالنسبة إليهم باطلاق الأدلة خروج عن التمسك بالاستصحاب، ومع الاغضاء عن ذلك فقد عرفت ما لا يصلح الاستصحاب لمعارضة بعضه فضلا عن جميعه.
وأوضح من ذلك فسادا ما في رسالة ثاني الشهيدين من الاستدلال له بأصالة الجواز، قال: " فأنا لم تجد على التحريم دليلا صالحا كما سنبينه، والأصل جواز هذا الفعل بالمعنى الأعم المقابل للتحريم الشامل لما عدا الحرام من الأقسام الخمسة، ثم الإباحة من الأمور الأربعة منتفية بالاجماع، على أن العبادة لا تكون متساوية الطرفين، وكذا الكراهة بمعنى مرجوحية أحد الطرفين مطلقا من غير منع من النقيض، فبقي من مدلول هذا الأصل الوجوب والاستحباب، فالثابت منهما أحدهما، لأن الاستحباب أيضا منتف بالاجماع، على أنها لا تقع مستحبة بالمعني المتعارف، بل متى شرعت وجبت، فانحصر أمر الجواز في الوجوب، وهو المطلوب " وهو من غرائب الكلام يقبح بالانسان التصدي لبيان بطلانه، بل هذا منه مما يؤيد ما ذكرنا من وقوع هذه الرسالة منه في