وذلك لان مرجع الجعل إلى انشاء الحكم. ومن الواضح ان الانشاء بلا منشأ محال، فالانشاء يتقوم تكوينا بالمنشأ.
وعليه، فيمكن ان يقال: كما أن الجعل والانشاء الواقعي يلازم المنشأ والمجعول واقعا، كذلك الانشاء والجعل ظاهرا يلازم المنشأ والمجعول ظاهرا، إذ لكل انشاء منشأ ولكل جعل مجعول. فالانشاء الظاهري يلازم المنشأ ظاهرا، فاستصحاب الجعل الذي يرجع إلى ثبوت الجعل ظاهرا يترتب عليه ثبوت المجعول ظاهرا، فتترتب عليه آثاره العملية العقلية والشرعية.
أما عدم الجعل ظاهرا، فهو أيضا يلازم عدم المجعول ظاهرا، كالملازمة بين عدم الجعل واقعا وعدم المجعول واقعا، لكن مجرد عدم الجعل والمجعول ظاهرا لا ينفع في اثبات المعذورية من الواقع المحتمل، إذ العقاب المحتمل عند احتمال الواقع انما هو على نفس الواقع، فعدم جعل الظاهر جزما لا أثر له في نفي العقاب على الواقع المحتمل.
كما أن مفاد استصحاب العدم ليس مجرد ثبوت عدم الجعل ظاهرا، إذ هو مقطوع به فلا حاجة إلى الاستصحاب. فيحتاج في مقام المعذورية من الواقع المحتمل إلى التعبد ظاهرا بعدمه باستصحاب أو غيره. ومن الواضح ان التعبد ظاهرا بعدم الجعل في الواقع لا يمكن ان يثبت به عدم المجعول واقعا، كي يتحقق العذر، وذلك لان ثبوت عدم المجعول واقعا بواسطة التعبد بعدم الجعل إما من جهة ان التعبد بعدم الجعل عين التعبد بعدم المجعول، أو من جهة الملازمة بين التعبد بعدم الجعل والتعبد بعدم المجعول، أو من جهة الملازمة الواقعية بين عدم الجعل وعدم المجعول.
والأول باطل قطعا كما لا يخفى. والثاني لا وجه له، إذ أي ملازمة بين التعبد بعدم الجعل والتعبد بعدم المجعول، إذ يمكن التفكيك بين التعبدين.
والثالث يرجع إلى الأصل المثبت وهو باطل.