وعليه، فلا مجال لدعوى الانحلال الحقيقي المبني على الانبساط لدوران الامر بين المتباينين.
وأما الانحلال الحكمي الذي قربناه، فله مجال أيضا بعين التقريب على الأقوال السابقة، فان التكليف المعلوم اجمالا لا علم بتأثيره على تقدير الاتيان بالعدل المحتمل، والعلم الاجمالي انما ينجز التكليف المعلوم بالاجمال بمقدار ما يعلم تأثيره في مقام الطاعة على كلا تقديريه. فلا يكون التكليف منجزا على تقدير الاتيان بالعدل المحتمل، فيكون مورد البراءة.
ويتلخص من جميع ما ذكرناه: ان جريان البراءة في الأقل والأكثر..
ان كان مبناه هو الانحلال الحقيقي المبتني على انبساط الوجوب ووجود القدر المتيقن، فلا يمكن اجراء البراءة في دوران الامر بين التعيين والتخيير على جميع الأقوال في الوجوب التخييري إلا على القول الأول.
وإن كان مبناه هو الانحلال الحكمي المبتني على التبعض في التنجيز، أمكن اجراء البراءة على جميع الأقوال. بل عرفت أن الالتزام بالتبعض في التنجيز ههنا أوضح منه في متعلق التكليف، لأنه ههنا بلحاظ تقادير التكليف نفسه. فلاحظ. هذا غاية التحقيق في دوران الامر بين الأقل والأكثر.
المورد الثالث: في دوران الامر بين الأقل والأكثر في المحصل، بمعنى أن المأمور به يكون معلوما بحدود وقيوده، وإنما يشك فيما يحققه وما يكون سببا لحصوله في أنه الأقل أو الأكثر، كما لو فرض تعلق الامر النفسي بالطهارة، وقيل إنها أمر بسيط مسبب عن الأفعال الخاصة من الوضوء والغسل والتيمم، وليس الامر متعلقا بنفس الأفعال المركبة كما هو ظاهر بعض النصوص الدالة على وجود أمر مستمر، يتعلق به النقض والبقاء، وهذا لا يتصور بالنسبة إلى نفس الأفعال لأنها تتصرم وتنعدم كما هو واضح.