الجعل فيما نحن فيه للوجهين المتقدمين متين جدا بكلا وجهيه.
ثم إنه ظهر مما ذكرناه ههنا: ان محط نظره (قدس سره) في حديثه عن اجراء البراءة الشرعية هو اثبات تعيين الواجب، وانه الأقل، ليرتفع بذلك حكم العقل بلزوم الاحتياط، وان غرضه من اثبات الاطلاق الظاهري ذلك، لا ما سبق منا في بيان كلامه من رجوع مقصوده إلى انحلال العلم بجريان الأصل المثبت في أحد أطرافه والنافي في الطرف الاخر، أو انحلاله بعدم تعارض الأصول. بل النكتة التي ينظر إليها (قدس سره) هو بيان ان مقتضى أصالة البراءة تعيين الشارع المأمور به ظاهرا مما يستلزم ارتفاع حكم العقل بلزوم الاحتياط، نظير موارد جريان قاعدة الفراغ الراجع إلى اكتفاء الشارع بما جاء به المكلف، ولو لم يكن مصادفا للواقع. فانتبه ولا تغفل.
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن جريان أصالة العدم في وجوب الأكثر يعارضه جريان أصالة العدم في وجوب الأقل، لتباين لحاظ الشئ لا بشرط مع لحاظه بشرط شئ، فقد أشرنا إلى أنه مثار ايراد عليه: بأنه قد تقدم منه ان اجراء البراءة في الأكثر لا يعارضه اجراء البراءة في الأقل، فأي فرق بين المقامين؟.
وكأنه انتبه إلى هذا الايراد فذكر: ما تقدم منا في عدم تباين لحاظ الأقل لا بشرط مع لحاظه بشرط شئ لا يتنافى مع ما ذكرناه هنا من تنافي اللحاظين.
وذكر في وجه التنافي وجها مجملا ولأجله أورد عليه المقرر بما يرجع إلى عدم الفرق بين الموردين وان الحق عدم المعارضة.
والصحيح في الجواب عن هذا السؤال: انك عرفت أخيرا ان محط نظره في اجراء البراءة ليس هو نفي وجوب الأكثر، بحيث يكون وجوب المجموع مجرى البراءة، بل مجرى البراءة هو نفي اعتبار الجزء المشكوك في المركب المأمور به الذي يحاول به تعيين كون الواجب هو الأقل.
ومن الواضح ان جريان البراءة في الجزء المشكوك لا يعارض جريان