أنك عرفت أنه لا تمكن موافقة ومخالفة العلم الاجمالي قطعا، والموافقة الاحتمالية والمخالفة كذلك قهرية الحصول. وعليه نقول:
أما جريان البراءة شرعا، فقد يقرب - كما أشار إليه في الكفاية -: بان كلا من الوجوب والحرمة مجهول، فيعمه حديث الرفع ونحوه مما دل على رفع الحكم عند الجهل به (1).
وقد ذهب المحقق النائيني (رحمه الله) إلى نفيه لوجهين:
الأول: ان الحكم الظاهري لا بد له من أثر شرعي وإلا لكان لغوا، وجعل البراءة فيما نحن فيه لا أثر له بعد عدم خلو المكلف من الفعل أو الترك قهرا، لحكم العقل بالترخيص والتخيير بين الفعل والترك.
الثاني: ان رفع الالزام انما يصح في المورد القابل لوضعه بجعل الاحتياط - كما تقدم بيانه في حديث الرفع -، وفي ما نحن فيه لا يتمكن الشارع من جعل الاحتياط لعدم التمكن من الاحتياط، فلا معنى لرفع التكليف (2).
كما أن المحقق الأصفهاني (رحمه الله) نفى البراءة الشرعية بدعوى: ان ظاهر أدلة البراءة كونها في مقام معذورية الجهل وارتفاعها بالعلم، فما كان تنجزه وعدمه من ناحية العلم والجهل كان مشمولا للغاية والمغيى، وما كان من ناحية التمكن من الامتثال وعدمه فلا ربط بأدلة البراءة، وما نحن فيه من الثاني لعدم القصور في العلم، وانما القصور من جهة عدم التمكن من امتثال الالزام المعلوم. فلاحظ (3).
أقول: أما محذور اللغوية في جريان البراءة الشرعية، فهو محذور عام يقال في جميع موارد البراءة لفرض حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وعدم لزوم