وما جئ به شاهدا على حكم العقل بلزوم تحصيل الغرض الملزم من أنه لو وجد عبد المولى ولد مولاه في حالة الغرق وكان أبوه المولى نائما فلم يتصد العبد لانقاذ ولد مولاه مع قدرته على الانقاذ استحق العقاب والملامة والذم بنظر العقل. لا يصلح شاهدا على الدعوى، إذ المفروض في المثال عدم تمكن المولى من الامر لنومه أو غفلته. ولذا لو علم المولى بحالة ولده، كما إذا كان بمرأى منه ولم يأمر عبده بانقاذه لم يجب - بحكم العقل - على العبد انقاذ ولد مولاه وتحصيل غرضه، وليس للمولى والحال هذه ان يلوم عبده ويؤاخذه على عدم تحصيل غرضه.
وبالجملة: إذا كان الامر متمكنا من الامر فلم يأمر لم يكن تحصيل غرضه الملزم واجبا عقلا، ولا شاهد عليه.
وعليه، ففيما نحن فيه لا بد من ملاحظة الامر ومقدار فعليته، فان المولى وإن تصدى فيما نحن فيه لتحصيل غرضه بالأمر لثبوت الامر واقعا، لكن عرفت أن الامر بالأكثر - لو كان واقعا - لا يصلح للداعوية إلا بالمقدار الذي تعلق به العلم، واما الزائد عليه فهو مجهول، يكون مجرى البراءة عقلا وشرعا في حد نفسه، ولا معنى لنفي البراءة بواسطة لزوم تحصيل الغرض المردد لعدم لزومه مع تمكن المولى من ايصاله في حال الجهل بجعل ايجاب الاحتياط، فلا يلزم تحصيل غرض المولى على تقدير كونه يترتب على الأكثر لتمكنه من الامر بما يحصله ولو بواسطة جعل الاحتياط عند الجهل فلم يفعل، فلا يلزم تحصيله. وأمره الواقعي لا ينفع بعد عدم العلم به وعدم تنجزه في حق المكلف وعدم داعويته إلا بمقدار خاص وهو الأقل. فتدبر واعرف.
هذا تمام الكلام في إجراء أصالة البراءة في الأقل والأكثر.
ويقع الكلام بعد ذلك في التمسك لاثبات عدم لزوم الأكثر بالاستصحاب.