الفصل الثامن في أن نسخ الوجوب أو التحريم هل يقتضي بقاء جواز الفعل أو الترك قد وقع الكلام بينهم في أنه مع نسخ الوجوب هل يبنى على بقاء الجواز بالمعنى الأعم، الراجع لعدم التحريم، أو الأخص الذي هو عبارة عن الإباحة التي هي أحد الأحكام الخمسة. ويجري نظير ذلك في نسخ التحريم بالإضافة إلى بقاء جواز الترك.
وحيث لا يكثر الابتلاء بهذه المسألة فالمناسب إيجاز الكلام فيها بالاقتصار على بيان ما تقتضيه القاعدة على مبانينا في حقيقة الحكمين المذكورين من أنهما بسيطان منتزعان من الخطاب بداعي جعل السبيل، لا مركبان من الاذن في الفعل أو الترك والمنع من النقيض ولا أن الاذن المذكور من مراتبهما.
فنقول: حيث كانت الأحكام الخمسة متباينة في أنفسها احتاج كل منها لجعل مستقل، ومن الظاهر أن رفع كل من الوجوب والتحريم إنما يستلزم جعل غيره من الاحكام ولو كان هو الحكم الاخر منهما، لا خصوص أحد الأحكام الثلاثة الباقية المستلزمة للجواز بالمعنى الأعم، فضلا عن خصوص الجواز بالمعنى الأخص الذي هو الإباحة.