وربما كانت هناك بعض الوجوه الاخر التي لا يبتني فيها الاستعمال على متابعة الوضع والجري عليه، بل على مقتضى الطبع.
نعم، لا ينبغي التأمل في أن الاستعمالات المذكورة على خلاف مقتضى الأصل المعول عليه عند العقلاء وأهل اللسان، فيحتاج إلى قرينة، وبدونها يحمل استعمال اللفظ على إرادة معناه الموضوع له، لان ذلك هو مقتضى الطبع الأولي الذي يجري عليه أهل اللسان في تفهيم المقاصد وفهمها، وإن أمكن الخروج عنه بالقرينة.
الامر الخامس: حيث حقيقة الوضع وأقسامه ثبوتا يقع الكلام هنا في طريق إحرازه إثباتا، ولا يراد بإحرازه إحرازه بالحجة الظنية التي تكفي في مقام العمل، لان ذلك موكول لمباحث الحجج، حيث وقع الكلام هناك في حجية قول اللغويين، بل المراد هو العلم الوجداني بالنظر لبعض آثاره ولوازمه، وقد ذكروا لذلك أمورا:
الأول: التبادر، وهو عبارة عن انسباق المعنى من اللفظ بنفسه، بحيث يكون اللفظ هو المؤدي له والموجب لحضوره في الذهن، لوضوح أن العلاقة المذكورة بين اللفظ والمعنى لا تستند لغير الوضع، فتدل عليه دلالة الأثر على المؤثر.
وقد يشكل: بأن مجرد الوضع لا يكفي في التبادر ما لم يكن معلوما، فالتبادر موقوف على العلم بالوضع، فإن كان مع ذلك موجبا للعلم بالوضع الذي هو علته لزم الدور - كما قرر في كلام جماعة - وإن كان موجبا لفرد آخر من العلم بالوضع لزم اجتماع فردين من العلم بالوضع، لان العلم الأول لا يزول بحصول التبادر، وهو - مع استحالته في نفسه، لامتناع اجتماع المثلين -