الأسماء، فإنها لما كانت قالبا لمعانيها بما لها من واقع قائم بنفسه، متقرر في عالمه، أمكن تصور مسمياتها، وحكايتها عنها وإن لم تكن في ضمن تركيب كلامي.
فهي بملاحظة المرتكزات أدوات للبيان، يتحقق بها الربط البياني بين أطراف الكلام المتشتتة، يجري الانسان فيها بمقتضى المرتكزات البيانية التي أودعها الله جلت قدرته فيه، فكما أدرك بهذه المرتكزات الجاجة في البيان للأسماء للحكاية بها عن مسمياتها المتقررة في عالمها، كذلك أدرك بها الحاجة للحروف لجعل النسب، لترتبط تلك المعاني بعد تفرقها وتنتظم بعد تشتتها، كي يتم بيان حال بعضها مع بعض، وإن لم تتمحض في بيان ذلك.
ولعل هذا هو منشأ الالية التي تمتاز بها الحروف، وتسالموا عليها تبعا للفارق الارتكازي بينها وبين الأسماء، لأنها آلات لايجاد معان لا استقلال لها بنفسها، بل هي قائمة بغيرها، فلا مجال لتصورها وإيجادها إلا في ظرف تصوره والحكاية عنه، حسبما يقتضيه تركيب الكلام، وإلا خفي وجه كون المعنى الذي له تقرر مفهومي وخارجي في نفسه آليا، لا يتصور ولا يؤدى إلا في ضمن الكلام، مع ما هو المعلوم من سعة الذهن، وانطلاقه في مقام التصور والتعقل.
وقد قيل في الالية غير ذلك، مما لا يضيق الوقت عن التعرض له، وتعقيبه.
وعلى هذا يتعين البناء على أن المعاني الحرفية التي كانت الحروف أدوات لايجادها جزئية، لان الامر القابل للايجاد هو الجزئي لا الكلي، وإن كان الكلي معيارا في تحديد تلك الجزئيات التي أعدت الحروف لايجادها، نظير الوضع العام والموضوع له الخاص، وإن خالفه في كون الوضع هنا لايجاد