أما الكلام في المقام الأول، فقد استدل على الاجزاء بتقريب، أن انكشاف الخلاف إذا كان بقيام حجة معتبرة على الخلاف لا بالعلم الوجداني لم يعلم المكلف ببطلان الحجة الأولى ومخالفتها للواقع، حيث إنه لا مزية للحجة اللاحقة على الحجة السابقة من هذه الناحية، فكما يحتمل أن تكون الحجة اللاحقة مطابقة للواقع دون الأولى فكذلك يحتمل العكس، غاية الأمر أن وظيفة المكلف فعلا هي العمل على طبق الحجة اللاحقة دون الحجة الأولى بدون العلم بمطابقتها للواقع، وأما الأولى فهي وإن لم تكن حجة فعلا ولكنها كانت حجة في ظرفها وقبل وصول الثانية صغرى وكبرى، وإنما لا تكون حجة بعد وصولها كذلك، ومن الواضح أنها بعد اتصافها بالحجية بالوصول لا توجب انقلاب الواقع وجعل الحجة غير حجة في ظرفها، لأن اتصاف الامارة بالحجية متقوم بالعلم به والوصول في أفق الذهن ولا يتصور فيه كشف الخلاف، إذ لا واقع موضوعي له غير تقومه بالعلم والوصول في أفق النفس، فطالما العلم والوصول موجودا فيه فالحجية موجودة، وإذا زال، زالت الحجية من حين زواله، وعلى هذا فحجية الامارة السابقة إن زالت بالعلم الوجداني بخلافها فلا مقتضى للاجزاء، لأن الأعمال السابقة المستندة إليها حينئذ تكون مخالفة للواقع جزما، وإن زالت بالعلم التعبدي كالامارة المعتبرة فلا علم بعدم مطابقتها للواقع، فإن سقوط الامارة السابقة عن الحجية إنما هو في ظرف وصول الامارة اللاحقة صغرى وكبرى، وأما في ظرفها فهي كانت حجة والأعمال السابقة مستند إليها والعلم الوجداني بمخالفتها للواقع غير موجود، ونتيجة ذلك هي أن كشف الخلاف إن كان في الوقت وجب الإعادة فيه لمكان قاعدة الاشتغال، وإن كانت في خارج الوقت لم يجب القضاء لعدم احراز صدق فوت الواجب في الوقت وإنما هو احتمال الفوت.
(٤٦١)