ناحية أخرى.
أما الأول فمضافا إلى ما تقدم في ضمن البحوث السابقة بصورة موسعة نقد نظرية الجبر واثبات نظرية الاختيار وهي نظرية الأمر بين الأمرين، أن الشقاوة والسعادة لو كانتا كذلك، لزم هدم أساس كافة الشرايع والأديان السماوية وأصبح كون بعث الرسل وانزال الكتب لغوا ولا تترتب عليه أي فائدة، وأيضا لزم هدم مدركات العقل العملي كالحسن والقبح التي قد التزم بها العقلاء في حفظ نظم حياتهم المادية والمعنوية الاجتماعية والفردية وابقاء نوعهم.
فالنتيجة، أنه لا يمكن الالتزام بأن الشقاوة علة تامة للكفر، والأعمال القبيحة والسعادة علة تامة للايمان والأعمال الحسنة.
وأما الثاني، فلأن الفطرة السليمة الوجدانية تحكم بسلطنة الانسان على أفعاله واختياره وأنه ليس في كمون جوهر الانسان وحقيقة ما يجبره على اختيار الكفر والعصيان قهرا وبشكل أتوماتيكي أو الايمان والإطاعة كذلك هذا، إضافة إلى أنا نرى في الخارج حسا انسانا كان شقيا في أول عمره ثم صار سعيدا في آخره أو بالعكس، وفي ذلك القضاء الحاسم على هذه الدعوى، إذ لو كانت الشقاوة والسعادة ذاتيتين للانسان فيستحيل أن يصبح الانسان الشقي سعيدا وبالعكس، لاستحالة انفكاك اللازم عن الملزوم طالما الملزوم ثابتا، أما الكتاب فمضافا إلى أنه بنفسه شاهد صدق على بطلان هذه الفرضية، فقد دلت عدة من الآيات الكريمة على نظرية الاختيار وهي الأمر بين الأمرين وبطلان نظرية الجبر، وأن الأعمال الصادرة من الانسان تصدر بالاختيار لا بالقهر والجبر كما تقدم. فلو كانت الشقاوة ذاتية بمعنى العلة التامة، لكان الانسان مجبورا ومقهورا في أفعاله السيئة وكان صدورها منه بالضرورة والوجوب لا بالاختيار، وكذا