اثبات النبوة بالمعجزة.
نعم، هنا طريق آخر لامكان الاستدلال بالقضية العقلية المذكورة بدون لزوم محذور، وهو أن هذه القضية وهي قبح اعطاء المعجزة بيد الكاذب ودعوة الناس إلى متابعته أمر مرتكز ثابت في أعماق نفوس الناس فطرة، فلهذا إذا رأوا معجزة بيد من يدعي النبوة وعلموا بأنها معجزة من الله تعالى في يده حصل لهم اليقين بصدقه أتوماتيكيا وفطرة بدون التوقف على أي مقدمة خارجية، ولكن هذا اليقين وجداني لا برهاني وبإمكانهم حينئذ أن يبرهنوا ذلك بقبح اعطاء المعجزة بيد الكاذب، بتقريب أن دلالتها على صدق مدعي النبوة عرفا قرينة على أنه لا يجوز اعطائها بيد الكاذب، إذ لو جاز لم تدل، فدلالتها بحسب الفهم العرفي الارتكازي إذا ضمت إلى كبرى قبح اعطاء المعجزة بيد الكاذب تشكل برهانا على النبوة.
والخلاصة، أن دلالة المعجزة على اثبات نبوة مدعيها لا تتوقف على القضية العقلية المذكورة، لأنها في طول دلالة المعجزة ومتوقفة عليها ومتفرعة، ولا فرق في ذلك بين النبوة العامة والخاصة، فإن المعجزة تدل عليها بنفسها وبقطع النظر عن قضية قبح اعطائها بيد الكاذب وإن كانت تلك القضية ثابتة ارتكازا وفطرة، ولهذا تؤكد دلالة المعجزة وتبرهنها وتجعلها دليلا فنيا.
ودعوى أن عادة الله تعالى قد جرت على جريان المعجزة على يد مدعي النبوة عن صدق لا عن كذب، خاطئة جدا ولا واقع موضوعي لها، وذلك لأنه إن أريد بها سنته الجارية في التكوينيات والتشريعيات، ففيه أنها جارية على طبق المصالح والحكم التي لا تبديل فيها ولا تغيير، وعلى هذا فسنة الله وحكمته قد جرت على اعطاء المعجزة بيد الصادق في دعوة النبوة ولا تبديل فيها.