هو علة للكامل تطبيقا للقضية الثانية والثالثة بل الأولى أيضا، فإذن وجود المبدأ للعالم خارج حدوده المادي أمر حتمي، فإنه يمدها تدريجا ويفيض عليها الحركة مرحلة بعد المرحلة ودرجة بعد الدرجة، ومن هنا يكون تعدد المتحرك والمحرك ضروريا، بداهة أنه لا يمكن أن يكون شيء واحد من جهة واحدة موضوعا للحركة وعلة لها في وقت واحد، وإلا لزم كون الناقص متطورا نفسه بنفسه ويكمل وجوده تدريجا بصورة ذاتية وهذا محال كما عرفت.
النقطة الثالثة: أن المادة قابلة للتجزئة والانفصال مهما كانت كما حقق ذلك في الفلسفة العليا، وعليه فالاتصال مقوم لوحدتها ونتيجة ذلك أن وحدات العالم المادي مركبة من مادة وصورة، وعلى هذا الأساس فالمادة لا يعقل أن تكون السبب الأعلى للعالم، بداهة أن السبب الأعلى له لابد أن يكون واجب الوجود بالذات وغنيا في كيانه ووجوده عن أي شيء آخر، والمادة بما أنها مركبة من جزئين فتحقق كل جزء منها يتوقف على تحقق الجزء الآخر، فلا يمكن أن توجد المادة بدون صورة والصورة بدون مادة، لأن عملية التركيب بينهما لا يمكن أن تكون بصورة ذاتية وبدون علة، فلا محالة تحتاج إلى سبب العملية وموجدها ورائها.
والخلاصة: أن المادة في كيانها ووجودها بحاجة إلى تحقق جزئيها معا وكل منهما في وجوده بحاجة إلى الآخر، فإذن لابد من أن يكون هناك عامل ثالث ورائهما هو الموجد للتركيب بينها والمفيض عليهما هذا، ونكتفي بهذا القدر في بيان التكملة ونترك التفاصيل في المسألة وجوانب أخرى فيها إلى محلها، لحد الآن قد تبين أن القول بأن المادة الأصيلة هي السبب الأعلى للعالم لا يخرج عن مجرد تخيل وأفكار ذاتية لا واقع موضوعي لها ولا يبتني على أي أساس علمي ولا فلسفي