وقبل أن نستعرض جوابه نذكر مقدمة وهي أن الحركة بمفهومها الفلسفي خروج الشئ من القوة إلى الفعل تدريجا، وليست عبارة عن فناء الشئ فناء مطلقا ووجود شيء آخر جديد، لأنها تطور الشئ في درجات الوجود الواحد باعتبار أن كل حركة تنطوي على وجود واحد مستمر في التطور والتدرج من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وكل مرحلة من مراحله تعبر عن درجة من وجوده ويستبدل في كل مرحلة من مراحل الحركة الامكان بالوجود والقوة بالفعلية، فلذلك تكون القوة والفعلية متشابكتين في جميع أدوار الحركة ومراحلها طالما لم تستنفد جميع امكاناتها، فإذا استنفدت ولم تبق في الشئ طاقة على درجة جديدة انتهى عمر الحركة.
والخلاصة أن الحركة في كل مرحلة ذات لونين هما:
الامكان والواقع والقوة والفعلية، فإنها إذا وصلت إلى مرحلة ودرجة فالحركة بالنسبة إلى هذه المرحلة فعلية وواقعية وبالنسبة إلى المرحلة الثانية بالقوة والامكان، فالشئ المتحرك في كل مرحلة يملك الحركة بالفعل والواقع فيها وبالقوة والامكان بالنسبة إلى المرحلة الثانية، فلهذا لا تناقض فيها.
وبعد ذلك نقول أن صدر المتألهين قد وضع نظرية الحركة بصورة أعمق وأدق وهي النظرية القائلة: بأن الحركة كامنة في صميم طبيعة الأشياء وكيان وجودها، فإنها بذاتها وذاتياتها في تطور وتدرج دائم ومستمر ولا تقتصر الحركة في ظواهر الأشياء وسطحها العرضي فحسب بل هي تتبع الحركة في عمقها وكيانها الوجودي وهي الحركة الجوهرية، وذلك لأن الحركة العرضية القائمة بظواهر الأشياء كالحركة الأينية والكمية والكيفية وغيرها لما كان معناها التجدد والتطور فلابد أن تكون علتها المباشرة أمرا متجددا، بداهة أنه لا يعقل