والوجه في ذلك: هو أن انقسام الفعل إلى مقدور وغيره انقسام أولي فلا يتوقف على وجود الأمر وتحققه في الخارج. وعلى هذا فلا يخلو الأمر: من أن يكون متعلق التكليف خصوص الحصة المقدورة، أو الجامع بينها وبين غير المقدورة، إذ الإهمال غير معقول في الواقع.
وعليه فإذا فرضنا أن الثابت على ذمة المكلف خصوص الحصة المقدورة فإبراز ذلك في الخارج كما يمكن أن يكون بأخذ القدرة في متعلق التكليف لفظا، أو بقيام قرينة من الخارج على ذلك يمكن أن يكون إبرازه باقتضاء نفس التكليف ذلك أو الحكم العقلي المزبور، بداهة أنا لا نرى أي مانع من إبرازه بأحدهما، ولا يلزم منه المحذور الذي توهم في المقام، فإنه لا شأن لاقتضاء نفس التكليف أو حكم العقل عندئذ إلا مجرد إبراز وإظهار ما اعتبره المولى على ذمة المكلف. ومن الواضح جدا أنه لا محذور في أن يكون الإبراز بمبرز متأخرا عن المبرز بالفتح، بل إن الأمر كذلك دائما.
وبتعبير آخر: أنه بناء على وجهة نظره (قدس سره) من أن منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف هو اقتضاء نفس التكليف ذلك الاعتبار لا مانع من أن يعتمد المتكلم في مقام بيان تقييد المأمور به بالقدرة على ذلك، بأن يجعل هذا بيانا لما اعتبره في ذمة المكلف، وهو الحصة المقدورة وكاشفا عنه، فإذا كان اقتضاء نفس التكليف أو حكم العقل صالحا لأن يكون قرينة على التقييد يدخل المقام حينئذ في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح لكونه قرينة فلا ينعقد له ظهور في الإطلاق.
على أن الكاشف عن الملاك في فعل إنما هو تعلق إرادة المولى به واقعا وجدا، والمفروض في المقام أن الإرادة الجدية متعلقة بالمقيد، لا بالمطلق، إذا كيف يمكن القول باشتمال المطلق على الملاك كما تقدم (1)؟
وأما بناء على وجهة نظرنا: من أن القدرة لم تعتبر في متعلق التكليف، لا من جهة حكم العقل، ولا من جهة اقتضاء نفس التكليف ذلك، فإنك قد عرفت أن التكليف بنفسه لا يقتضي ذلك أصلا، وأما العقل فهو لا يحكم بأزيد من اعتبار