ونتيجة ذلك: هي أن الأهم مطلوب على وجه الإطلاق، والمهم مطلوب في ظرف ترك الأهم وعصيانه. وقد سبق أن ذلك يناقض طلب الجمع ويعانده، لا أنه يستلزمه (1). وعلى هذا فكل منهما مقدور للمكلف على نحو الترتب، فإنه عند إعمال قدرته في فعل الأهم وامتثاله، لا أمر بالمهم، والمفروض أنه في هذا الحال قادر على فعل الأهم تكوينا وتشريعا، وعندئذ لا يكون العقاب على تركه وعصيان أمره عقابا على ما لا يقدر.
وأما مع عدم إعمالها فيه فلا مانع من إعمالها في فعل المهم، وحينئذ لو تركه وعصى أمره فلا مانع من العقاب عليه، إذ المفروض أنه مقدور في هذا الحال، وهذا معنى الجمع بين تركي الواجبين والعصيانين " ترك المهم عند ترك الأهم وعصيانه عند عصيانه "، وحيث إنه باختيار المكلف فيستحق عقابين: عقابا على ترك الواجب الأهم، وعقابا على ترك الواجب المهم.
ومن ذلك يستبين أن الالتزام بجواز الترتب يستلزم الالتزام بجواز تعدد العقاب، ولا يلزم من الالتزام به (الترتب) كون العقاب عند مخالفة الأمرين من العقاب على أمر مستحيل، ضرورة أن معنى إمكان الترتب: هو جواز تعلق الأمر بالأهم على وجه الإطلاق، وبالمهم مقيدا بعصيان الأهم، لفرض أنهما على هذا النحو مقدوران للمكلف، فإذا كانا مقدورين فلا محالة يستحق عقابين على تركهما في الخارج وعصيان الأمرين المتعلقين بهما، ولا يكون ذلك من العقاب على المحال، فإن المحال وما لا يقدر عليه المكلف إنما هو الجمع بين الضدين في الخارج، لا الجمع بين تركيهما على نحو الترتب فإنه بمكان من الوضوح، بداهة أن الإنسان قادر على ترك القيام - مثلا - عند تركه الجلوس، أو بالعكس، وقادر على ترك إيجاد السواد - مثلا - عند تركه إيجاد البياض، وهكذا...، وما لا يتمكن منه ولا يقدر عليه إنما هو الجمع بين فعليهما خارجا، فلا يقدر على إيجاد القيام عند وجود الجلوس، أو إيجاد السواد عند وجود البياض، وهكذا.