وسنبين - إن شاء الله تعالى - عند الفرق بين باب التزاحم والتعارض أن التزاحم يختص بالضدين اللذين لهما ثالث. وأما الضدين اللذين لا ثالث لهما فلا يمكن وقوع التزاحم بينهما، بل هما يدخلان في كبرى باب التعارض (1).
وعليه فمن الواضح جدا أن ترك كل من الضدين لهما ثالث عند ترك الآخر مقدور، فلا مانع من العقاب عليه.
أو فقل: إن استحقاق العقاب على عصيان الأهم وتركه مورد تسالم من الكل، وإنما الكلام في استحقاق العقاب على ترك المهم مضافا إلى استحقاق العقاب على ترك الأهم. ومن الضروري أن المهم في ظرف عصيان الأهم مقدور عقلا وشرعا، وإنما لا يكون مقدورا في صورة واحدة، وهي صورة الإتيان بالأهم لا مطلقا، وعليه فلا يكون العقاب على تركه محالا.
والغفلة عن هذا أوجبت تخيل أنه على تقدير القول بإمكان الترتب لا يمكن الالتزام بما هو لازمه من استحقاق عقوبتين في صورة مخالفة الأمرين، لأنه عقاب على ما لا يقدر عليه المكلف، وهو الجمع بين الضدين، غافلا عن أن القول بإمكان الترتب يرتكز على أساس يناقض طلب الجمع ويعانده.
وعليه فكيف يمكن أن يقال: إن القول بإمكانه يستلزم كون العقاب على تركه الجمع ليقال: إنه محال فلا يمكن الالتزام به؟ بل القول به يستلزم كون العقاب على عصيان الأهم على وجه الإطلاق، وعلى عصيان المهم في ظرف عصيان الأهم لا مطلقا، والمفروض أن كلا العصيانين على هذا الشكل مقدور للمكلف فيستحق عقابين عليهما، ولا يكون ذلك من العقاب على غير المقدور.
نعم، لو كان القول بالترتب مستلزما لطلب الجمع لكان العقاب على مخالفته قبيحا، إلا أنه على هذا لا يمكن الالتزام بأصل الترتب لتصل النوبة إلى التكلم عن إمكان الالتزام بما هو لازمه وعدم إمكانه به.