والظاهر أن منشأ التسامح هو أن الحصول على رأس الأربعة بلا زيادة ولا نقصان نادر.
ومن الأخبار في ذلك: ما رواه في الكافي والتهذيب عن منهال القصاب، قال:
قلت له: ما حد التلقي؟ قال: روحة (1).
واجماله يعرف من خبره المتقدم. وتفسير الروحة والغدوة بأربعة فراسخ، لأن الغدوة من أول النهار إلى الزوال، والروحة من الزوال إلى الغروب وبياض اليوم - كما تقدم في كتاب الصلاة - عبارة من ثمانية فراسخ فيكون كل نصف من النهار أربعة فراسخ.
" الثاني ": قد صرح بعض الأصحاب بتقييد التحريم أو الكراهة هنا بقيود:
(منها): ما تقدم من تحديد التلقي، وأن ما زاد عليه ليس بتلق.
(ومنها): كون الخروج بقصد ذلك فلو خرج لا لذلك فاتفق الركب لم يحرم ولم يكره.
(ومنها): تحقق مسمى الخروج من البلد، فلو تلقى الركب في أول وصوله البلد، لم يثبت الحكم.
(ومنها): جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه ويشتريه، فلو علم بهما أو بأحدها لم يثبت الحكم فيه.
أقول: وإليه يشير التعليل في رواية عروة بن عبد الله المتقدمة، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون يرزق الله تعالى بعضهم من بعض.
(ومنها): أن يكون التلقي للبيع عليه أو الشراء منه، فلو خرج لغيرهما من المقاصد، ولو في بعض المعاملات كالإجارة، لم يثبت الحكم. وفي الحاق الصلح ونحوه من عقود المغابنات اشكال، فيحتمل ذلك للعلة المذكورة، والعدم اقتصارا فيما خالف الأصل على القدر المتقين.