وأما المائع فاختلفوا فيه فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاة النجاسة وخالف فريق منهم الزهري والأوزاعي وسيأتى ايضاح ذلك في كتاب الذبائح وكذلك مسئلة الانتفاع بالدهن النجس أو المتنجس إن شاء الله تعالى قال ابن المنير مناسبة حديث السمن للآثار التي قبله اختيار المصنف ان المعتبر في التنجيس تغير الصفات فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتغيرها بالموت وكذا عظمها فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير انه لا يتنجس (قوله حدثنا أحمد بن محمد) أي ابن أبي موسى المروزي المعروف بمردويه وعبد الله هو ابن المبارك (قوله كل كلم) بفتح الكاف واسكان اللام (يكلمه) بضم أوله واسكان الكاف وفتح اللام أي كل جرح يجرحه (قوله في سبيل الله) قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات في غير سبيل الله وزاد في الجهاد من طريق الأعرج عن أبي هريرة والله أعلم بمن يكلم في سبيله وفيه إشارة إلى أن ذلك انما يحصل لمن خلصت نيته (قوله تكون كهيئتها) أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة ويوضحه رواية القابسي عن أبي زيد المروزي عن الفربري كل كلمة يكلمها وكذا هو في رواية ابن عساكر (قوله تفجر) بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى إذ أصله تنفجر (قوله والعرف) بفتح المهملة وسكون الراء الريح والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله وفائدة رائحته الطيبة ان تنتشر في أهل الموقف اظهارا لفضيلته أيضا ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة وقد استشكل ايراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب فقال الإسماعيلي هذا الحديث لا يدخل في طهارة الدم ولا نجاسته وانما ورد في فضل المطعون في سبيل الله وأجيب بان مقصود المصنف بايراده تأكيد مذهبه في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير فاستدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة تؤثر في الموصوف فكما ان تغير صفة الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة يخرجه عن صفة الطهارة إلى النجاسة وتعقب بان الغرض اثبات انحصار التنجيس بالتغير وما ذكر يدل على أن التنجيس يحصل بالتغير وهو وفاق لا انه لا يحصل الا به وهو موضع النزاع وقال بعضهم مقصود البخاري ان يبين طهارة المسك ردا على من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهى الزهم وقبح الرائحة إلى الرائحة الممدوحة وهى طيب رائحة المسك دخل عليه الحل وانتقل من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة كالخمرة إذا تخللت وقال ابن رشيد مراده ان انتقال الدم إلى الرائحة الطيبة هو الذي نقله من حالة الذم إلى حالة المدح فحصل من هذا تغليب وصف واحد وهو الرائحة على وصفين وهما الطعم واللون فيستنبط منه انه متى تغير أحد الأوصاف الثلاثة بصلاح أو فساد تبعه الوصفان الباقيان وكأنه أشار بذلك إلى رد ما نقل عن ربيعة وغيره ان تغير الوصف الواحد لا يؤثر حتى يجتمع وصفان قال ويمكن أن يستدل به على أن الماء إذا تغير ريحه بشئ طيب لا يسلبه اسم الماء كما أن الدم لم ينتقل عن اسم الدم مع تغير رائحته إلى رائحة المسك لأنه قد سماه دما مع تغير الريح فما دام الاسم واقعا على المسمى فالحكم تابع له اه كلامه ويرد على الأول انه يلزم منه ان الماء إذا كانت أوصافه الثلاثة فاسدة ثم تغيرت صفة واحدة منها إلى صلاح انه يحكم بصلاحه كله وهو ظاهر الفساد وعلى الثاني انه لا يلزم من كونه لم يسلب اسم الماء ان لا يكون موصوفا بصفة تمنع من استعماله مع بقاء اسم الماء عليه والله
(٢٩٧)