شأنه وجل جلاله شهد على وحدانية نفسه من عجيب خلقه ولطيف حكمته و وضع ميزانه فيما خلق. والشاهد على ذلك كون (قائما بالقسط) في الآية حالا من اسم الجلالة، كما في التفاسير.
فالقيام بالقسط إشارة إلى البرهان على صدق شهادته تعالى في الآفاق و الأنفس، فإن وحدة النظام تدل على وحدة واضعه، ولعلك لو تأملت ذيل الآية تتجلى لك الحقيقة، وهو قوله تعالى: لا إله إلا هو العزيز الحكيم تفرد بالألوهية و كمال العزة والحكمة، فلا يغلبه أحد على ما قام به من سنن القسط والعدل و وضع كل شئ على وفق حكمته. فإذا ظهرت لك الحقيقة من أن شهادته عز وجل على وحدانيته قيامه بالقسط وعدله على وفق الحكمة، وشهادته عز وجل على صدق رسالة رسوله إظهار المعجزات وخرق العادات على يده، فاعلم أن من جملة المعجزات، بل من أعظمها إنزال القرآن عليه بحيث تحدى به العرب، و عجزت الفصحاء والبلغاء عن الإتيان بسورة من مثله. ومن الواضح قبح إظهار المعجزة على يد الكاذب، تعالى الله عن ذلك.
إن قلت: لعل الآية الكريمة نزلت تسلية لرسول الله، يعني أن الله تعالى يعلم إنك رسوله فلا يضرك تكذيب الكفرة، كقول القائل في مقام تسلية نفسه: إن الله يعلم ويشهد بصدق ادعائي، فعلى هذا لا يلزم من شهادة الله تعالى على رسالة رسوله إظهار المعجزات وخوارق العادات على يده.
قلنا: بين المقامين فرق واضح، لأن الآية نزلت في رد الكفار المعاندين وفي مقام الاحتجاج عليهم، فلا يتم الاحتجاج إلا بظهور المعجزات وخوارق العادات، وفي الآية تلويح بل للمنصف تصريح بذلك، لأن الآية لو كانت هكذا كفى بالله شهيدا ومن عنده علم الكتاب لاحتمل أن تكون في مقام التسلي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط دون الاحتجاج والرد عليهم، ولكنها مع ذكر (قل) في صدرها، وضم (بيني وبينكم) إليها تدل على أنها في مقام الاحتجاج والرد عليهم، وذلك لا يمكن إلا