بعدي - وكأن بني عمه كانوا من شرار بني إسرائيل - فأعطني من واسع فضلك و عظم جودك وعطائك - لا بطريق الأسباب العادية - ولدا يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله رب رضيا.
فاستجاب الله تبارك وتعالى دعاءه وتولى تسمية الولد بنفسه فقال: يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى فلما سمع هذه البشرى صار متعجبا، فقال: من أي وجه كان لي ولد وامرأتي عاقر، وقد ضعفت من الكبر؟ وقال الله تعالى في رد كلامه:
يا زكريا! إني إذا أردت شيئا كان دون أن يتوقف على الأسباب العادية التي رسمتها للحمل والولادة، يا زكريا! ليس خلق هذا الغلام الذي وعدتك بأعجب من خلق البشر جملة من العدم. قال زكريا: يا رب اجعل لي علامة تدلني على تحقق المسؤول. فقال الله تبارك وتعالى: علامتك على وجود المبشر به وحصول الحمل ألا تقدر على تكلم الناس بكلامهم المعروف ثلاث ليال وأنت صحيح الجسم ليست بك علة ولا مرض.
أخي العزيز! أحب أن تلاحظ الآيات مرة أخرى بعين الدقة والنظر فإنه عليه السلام لما طلب من الله ولدا ونادى ربه نداء خفيا، وقال: ولم أكن بدعائك رب شقيا، استجاب الله عز شأنه دعاءه وبشره بغلام اسمه يحيى، فما معنى لاستفهامه عليه السلام بقوله: أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا مع ذكره عليه السلام هذين الأمرين في ضمن دعائه وهو قوله تعالى حكاية عنه: (قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا... وكانت امرأتي عاقرا)؟ أهذا استفهام إنكاري - العياذ بالله -؟ لا، لأنه لا يناسب مقام النبوة، بل هو مبني على استعجابه عليه السلام.
قال العلامة الطباطبائي رحمه الله: (فإن من بشر بما لا يتوقعه لتوفر الموانع وفقدان الأسباب تضطرب نفسه بادي ما يسمعها، فيأخذ في السؤال عن خصوصيات ما بشر به ليطمئن قلبه ويسكن اضطراب نفسه فإن الخطورات النفسانية ربما لا تنقطع