وحديث معاوية أخرجه أيضا النسائي، قال الخطابي: إسناده فيه مقال. وحديث عبد الله السعدي أخرجه أيضا ابن ماجة وابن منده والطبراني والبغوي وابن عساكر. قوله: فهو مثله فيه دليل على تحريم مساكنة الكفار ووجوب مفارقتهم، والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكن يشهد لصحته قوله تعالى: * (فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم) * (النساء: 140) وحديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعا: لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يفارق المشركين. قوله:
لا تتراءى ناراهما يعني لا ينبغي أن يكونا بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى على وجه لو كانت متمكنة من الابصار لأبصرت الأخرى فإثبات الرؤية للنار مجاز. قوله: ما قوتل العدو فيه دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار. قوله: لا هجرة بعد الفتح أصل الهجرة هجر الوطن، وأكثر ما تطلق على من رحل من البادية إلى القرية. قوله: ولكن جهاد ونية قال الطيبي وغيره: هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله، والمعنى: أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت، إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية، وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة، كالفرار من دار الكفر، والخروج في طلب العلم، والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك. قوله: وإذا استنفرتم فانفروا قال النووي: يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الامام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه. قال الطيبي: إن قوله: ولكن جهاد الخ معطوف على محل مدخول لا هجرة أي الهجرة من الوطن، إما للفرار من الكفار، أو إلى الجهاد، أو إلى غير ذلك كطلب العلم، فانقطعت الأولى وبقيت الاخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما، بل إذا استنفرتم فانفروا. قال الحافظ: وليس الامر في انقطاع الهجرة من الكفار على ما قال انتهى. وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب فقال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضا في أول الاسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى. قال الحافظ: وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى