الدين ليس هو من جهته وإنما هو بأمر الله له بذلك. وقد استدل بأحاديث الباب على أنه لا يجوز لمن عليه دين أن يخرج إلى الجهاد إلا بإذن من له الدين لأنه حق لآدمي، والجهاد حق لله تعالى، وينبغي أن يلحق بذلك سائر حقوق الآدميين كمتقدم لعدم الفرق بين حق وحق. ووجه الاستدلال بأحاديث الباب على عدم جواز خروج المديون إلى الجهاد بغير إذن غريمه أن الدين يمنع من فائدة الشهادة وهي المغفرة العامة وذلك يبطل ثمرة الجهاد، وقد أشار صاحب البحر إلى مثل ذلك فقال: ومن عليه دين حال لم يخرج إلا بإذن الغريم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم إلا الدين الخبر، فإذا منع الشهادة بطلت ثمرة الجهاد اه. ولا يخفى أن بقاء الدين في ذمة الشهيد لا يمنع من الشهادة بل هو شهيد مغفور له كل ذنب إلا الدين، وغفران ذنب واحد يصح جعله ثمرة للجهاد، فكيف بمغفرة جميع الذنوب إلا واحدا منها؟ فالقول بأن ثمرة الشهادة مغفرة جميع الذنوب ممنوع، كما أن القول بأن عدم غفران ذنب واحد يمنع من الشهادة ويبطل ثمرة الجهاد ممنوع أيضا، وغاية ما اشتملت عليه أحاديث الباب هو أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه إلا ذنب الدين، وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد إلا بإذن من له الدين، بل إن أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب استأذن صاحب الدين في الخروج، وإن رضي بأن يبقى عليه ذنب واحد منها جاز له الخروج بدون استئذان، وهذا إذا كان الدين حالا، وأما إذا كان مؤجلا ففي ذلك وجهان. قال الامام يحيى: أصحهما يعتبر الاذن أيضا إذ الدين مانع للشهادة، وقيل لا كالخروج للتجارة. قال في البحر: ويصح الرجوع عن الاذن قبل التحام القتال إذ الحق له لا بعده لما فيه من الوهن.
باب ما جاء في الاستعانة بالمشركين عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة، ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال: جئت