قصة الحجاج بن علاط في استئذانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة، وأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين. وأخرج الطبراني في الأوسط الكذب كله إثم إلا ما نفع به مسلم أو دفع به عن دين وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام إلا ثلاث كذبات:
ثنتين في كتاب الله تعالى قوله: * (إني سقيم) * (الصافات: 89) وقوله: * (بل فعله كبيرهم هذا) * ( الأنبياء: 63) وواحد في شأن سارة الحديث. قوله: فأذن لي فأقول أي أقول ما لا يحل في جانبك. قوله: عنانا بفتح العين المهملة وتشديد النون الأولى أي كلفنا بالأوامر والنواهي. وقوله: سألنا الصدقة أي طلبها منا ليضعها مواضعها. وقوله: فنكره أن ندعه إلى آخره معناه نكره فراقه. (والحديث) المذكور قد استدل به على جواز الكذب في الحرب، وكذلك بوب عليه البخاري باب الكذب في الحرب. قال ابن المنير: الترجمة غير مطابقة لأن الذي وقع بينهم في قتل كعب بن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا، ثم ذكر أن الذي وقع في حديث الباب ليس فيه شئ من الكذب، وأن معنى ما في الحديث هو ما ذكرناه في تفسير ألفاظه وهو صدق. قال الحافظ:
والذي يظهر أنه لم يقع منهم فيما قالوه شئ من الكذب أصلا وجميع ما صد منهم تلويح كما سبق، لكن ترجم يعني البخاري لقول محمد بن مسلمة أولا: ائذن لي أن أقول، قال: قل، فإنه يدخل فيه الاذن في الكذب تصريحا وتلويحا. قوله: إلا في الحرب الخ، قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الاصلاح وقالوا: إن الثلاث المذكورة كالمثال، وقالوا: إن الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة وليس فيه مصلحة.
وقال آخرون: لا يجوز الكذب في شئ مطلقا. وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم: دعوت لك أمس وهو يريد قوله: اللهم اغفر للمسلمين، ويعد امرأته بعطية شئ ويريد إن قدر الله ذلك وأن يظهر من نفسه قوة قلب، وبالأول جزم الخطابي، وبالثاني جزم المهلب والأصيلي وغيرهما. قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة لكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى. وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى. ويقوي ذلك حديث الحجاج بن علاط المذكور، ولا يعارض ما ورد في جواز الكذب في الأمور المذكورة ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح، وقول