أي خصصهما بجهاد النفس في رضائهما. قال في الفتح: ويستفاد منه جواز التعبير عن الشئ بضده إذا فهم المعنى، لأن صيغة الامر في قوله: فجاهد ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما بهما، وليس ذلك مرادا قطعا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو تعب البدن وبذل المال، ويؤخذ منه أن كل شئ يتعب النفس يسمى جهادا اه. ولا يخفى أن كون المفهوم من تلك الصيغة إيصال الضرر بالأبوين، إنما يصح قبل دخول لفظ في عليها، وأما بعد دخولها كما هو الواقع في الحديث فليس ذلك المعنى هو المفهوم منها، فإنه لا يقال جاهد في الكفار بمعنى جاهدهم له هو جاهده في الله فالجهاد الذي يراد منه إيصال الضرر لمن وقعت المجاهدة له هو جاهده لا جاهد فيه وله. وفي الحديث دليل على أن بر الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد. قوله: فإن أذنا لك فجاهد فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذ منع منه الأبوان أو أحدهما، لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمر وقال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال: الصلاة، قال: ثم مه؟ قال: الجهاد، قال: فإن لي والدين، فقال:
آمرك بوالديك خيرا، فقال: والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما، قال: فأنت أعلم وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين، وهذا بشرط أن يكون الأبوان مسلمين، وهل يلحق بهما الجد والجدة؟ الأصح عند الشافعية ذلك، وظاهره عدم الفرق بين الأحرار والعبيد. قال في الفتح: واستدل بالحديث على تحريم السفر بغير إذنهما لأن الجهاد إذا منع منه مع فضيلته، فالسفر المباح أولى، نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف.
باب لا يجاهد من عليه دين إلا برضا غريمه عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قام