الكلام، وفي هذا دليل على أنه يشرع للامام إذا أرسل قومه إلى قتال الكفار ونحوهم أن يوصيهم بتقوى الله وينهاهم عن المعاصي المتعلقة بالقتال كالغلول والغدر والمثلة وقتل الصبيان، وفيه دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الاسلام قبل المقاتلة، وفي المسألة ثلاثة مذاهب. الأول: أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الاسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه، وبه قال مالك والهادوية وغيرهم وظاهر الحديث معهم. والمذهب الثاني: أنه لا يجب مطلقا وسيأتي في هذا الباب دليل من قال به. المذهب الثالث: أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب. قال ابن المنذر: وهو قول جمهور أهل العلم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأحاديث، وقد زعم الإمام المهدي أن وجوب تقديم دعوة من لم تبلغه الدعوة مجمع عليه، ويرد ذلك ما ذكرنا من المذاهب الثلاثة، وقد حكاها كذلك المازري وأبو بكر بن العربي. قوله: ثم أدعهم إلى التحول فيه ترغيب الكفار بعد إجابتهم وإسلامهم إلى الهجرة إلى ديار المسلمين ، لأن الوقوف بالبادية ربما كان سببا لعدم معرفة الشريعة لقلة من فيها من أهل العلم . قوله: ولا يكون لهم في الفئ والغنيمة شئ إلخ، ظاهر هذا أنه لا يستحق من كان بالبادية ولم يهاجر نصيبا في الفئ والغنيمة إذا لم يجاهد، وبه قال الشافعي وفرق بين مال الفئ والغنيمة وبين مال الزكاة وقال: إن للأعراب حقا في الثاني دون الأول. وذهب مالك وأبو حنيفة والهادوية إلى عدم الفرق بينهما، وأنه يجوز صرف كل واحد منهما في مصرف الآخر. وزعم أبو عبيد أن هذا الحكم منسوخ وإنما كان في أوائل الاسلام، وأجيب بمنع دعوى النسخ. قوله: فسلهم الجزية ظاهره عدم الفرق بين الكافر العجمي والعربي والكتابي وغير الكتابي، وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي وجماعة من أهل العلم، وخالفهم الشافعي فقال: لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس عربا كانوا أو عجما، واستدل بقوله تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (التوبة: 29) بعد ذكر أهل الكتاب. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وأما سائر المشركين فهم داخلون تحت عموم:
اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن الجزية لا تقبل من العربي غير الكتابي وتقبل من الكتابي ومن العجمي، ولعله يأتي لهذا البحث