بالمشركين فأسلموا. وحديث عائشة فيه دليل على أنها لا تجوز الاستعانة بالكافر، وكذلك حديث خبيب بن عبد الرحمن، ويعارضهما في الظاهر حديث ذي مخبر وحديث الزهري المذكوران، وقد جمع بأوجه: منها ما ذكره البيهقي عن نص الشافعي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء أن يسلموا فصدق الله ظنه. وفيه نظر لأن قوله: لا أستعين بمشرك نكرة في سياق النفي تفيد العموم. ومنها: أن الامر في ذلك إلى رأي الامام وفيه النظر المذكور بعينه. ومنها: أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها قال الحافظ في التلخيص: وهذا أقربها وعلي نص الشافعي، وإلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين ذهب جماعة من العلماء وهو مروي عن الشافعي، وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها تجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه، واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بناس من اليهود كما تقدم، وباستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بصفوان بن أمية يوم حنين، وبإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنها ستقع من المسلمين مصالحة الروم ويغزون جميعا عدوا من وراء المسلمين. قال في البحر: وتجوز الاستعانة بالمنافق إجماعا لاستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي وأصحابه، وتجوز الاستعانة بالفساق على الكفار إجماعا ، وعلى البغاة عندنا لاستعانة علي عليه السلام بالأشعث انتهى. وقد روي عن الشافعي المنع من الاستعانة بالكفار على المسلمين، لأن في ذلك جعل سبيل للكافر على المسلم وقد قال تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء: 141) وأجيب بأن السبيل هو اليد وهي للامام الذي استعان بالكافر، وشرط بعض أهل العلم ومنهم الهادوية أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار والفساق إلا حيث مع الامام جماعة من المسلمين يستقل بهم في إمضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين، كما كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقتال وهم كذلك، ومما يدل على جواز الاستعانة بالمشركين أن قزمان خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: أن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر كما ثبت ذلك عند أهل السير
(٤٤)