فلا تعارض بين الحديثين، وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كان له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد، وصرف الخبر عن ظاهره يحتاج إلى مستند، وكأن مستند القائل أن العامل يباشر المشقة بنفسه بخلاف الدال ونحوه، لكن من جهز الغازي بماله مثلا، وكذا من يخلفه فيمن ترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضا، فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكفي ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو، بخلاف من اقتصر على النية مثلا انتهى. قوله: ومن خلفه في أهله بخير بفتح الخاء المعجمة واللام الخفيفة أي قام بحال من يتركه.
باب استئذان الأبوين في الجهاد عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي، قال: الجهاد في سبيل الله، حدثني بهن ولو استزدته لزادني متفق عليه. وعن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه. وفي رواية: أتى رجل فقال: يا رسول الله إني جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وأن والدي يبكيان، قال: فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. وعن أبي سعيد: أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن فقال: هل لك أحد باليمن؟ فقال: أبواي، فقال: أذنا لك؟ فقال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما رواه أبو داود. وعن معاوية بن جاهمة السلمي: أن جاهمة أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، فقال: ألزمها فإن الجنة عند رجليها رواه أحمد والنسائي. وهذا كله إن لم يتعين عليه الجهاد، فإذا تعين فتركه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل.