وقد صحح الترمذي بعضها. وأخرج أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والطحاوي وسنده على شرط الشيخين من حديث عبد الرحمن بن حسنة: نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه: أنهم طبخوا منها فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب فأخشى أن تكون هذه فاكفؤها. ومثله حديث أبي سعيد المذكور في الباب. قال في الفتح: والأحاديث وإن دلت على الحل تصريحا وتلويحا نصا وتقريرا فالجمع بينها وبين الحديث المذكور حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ. وحينئذ أمر بإكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه. وحمل الاذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له، وبعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته بإذنه فدل على الإباحة. وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره. وقد استدل على الكراهة بما أخرجه الطحاوي عن عائشة أنه أهدي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ضب فلم يأكله فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال لها: أتعطينه ما لا تأكلين؟. قال محمد بن الحسن: دل ذلك على كراهته لنفسه ولغيره.
وتعقبه الطحاوي باحتمال أن يكون ذلك من جنس ما قال الله تعالى: * (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) * البقرة: 267) ثم ساق الأحاديث الدالة على كراهة التصدق بحشف التمر، وكحديث البراء كانوا يحبون الصدقة بأردأ تمرهم فنزلت: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * (البقرة: 267) قال: فلهذا المعنى كره لعائشة أن تصدق بالضب لا لكونه حراما، وهذا يدل على أن الطحاوي فهم عن محمد أن الكراهة فيه للتحريم. والمعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه. وجنح بعضهم إلى التحريم. وقال: اختلفت الأحاديث وتعذرت معرفة المتقدم فرجحنا جانب التحريم، ودعوى التعذر ممنوعة بما تقدم.
قوله: في غائط مضبة قال النووي: فيه لغتان مشهورتان إحداهما فتح الميم والضاد، والثانية ضم الميم وكسر الضاد، والأول أشهر وأفصح، والمراد ذات ضباب كثيرة، والغائط الأرض المطمئنة. قوله: يدبون بكسر الدال. قوله: ولا أدري لعل هذا منها قال القرطبي: إنما كان ذلك ظنا منه قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل لمسخ نسلا، فلما أوحى إليه بذلك زال التظنن وعلم أن الضب ليس مما مسخ كما في الحديث المذكور في الباب. ومن العجيب أن ابن العربي قال: إن قولهم الممسوخ لا نسل له