وقد تقدم في أول الجهاد، وتقدم تفسير الآية. قوله: لما نزلت: * (إن يكن منكم عشرون صابرون) * الخ، قال في البحر وكانت الهزيمة محرمة وإن كثر الكفار لقوله تعالى : * (فلا تولوهم الادبار) * (الأنفال: 65) ثم خفف عنهم بقوله: * (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) * (الأنفال: 65) فأوجب على كل واحد مصابرة عشرة ثم خفف عنهم وأوجب على الواحد مصابرة اثنين بقوله: * (الآن خفف الله عنكم) * (الأنفال: 66) الآية، واستقر الشرع على ذلك، فحينئذ حرمت الهزيمة لقول ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فلم يفر انتهى. قوله: فحاص الناس حيصة بالمهملات. قال ابن الأثير: حصت عن الشئ حدث عنه وملت عن جهته هكذا قال الخطابي. قال المصنف رحمه الله تعالى: وقوله حاصوا أي حادوا حيدة ومنه قوله تعالى: * (ما لهم من محيص) * (فصلت: 48) ويروى: جاضوا جيضة بالجيم والضاد المعجمتين وهو بمعنى حادوا انتهى. قوله: ثم قلنا لو دخلنا المدينة الخ ، لفظ أبي داود: فقلنا ندخل المدينة فنبيت فيها لنذهب ولا يرانا أحد فدخلنا فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا، فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون، فأقبل إلينا فقال: لا أنتم العكارون، فدنونا فقبلنا يده فقال: أنا فئة المسلمين. قوله: العكارون بفتح العين المهملة وتشديد الكاف قيل: هم الذين يعطفون إلى الحرب، وقيل: إذا حاد الانسان عن الحرب ثم عاد إليها، يقال: قد عكر وهو عاكر وعكار. قال في القاموس: العكار الكرار العطاف ، واعتكروا اختلطوا في الحرب، والعكر رجع بعضه على بعض فلم يقدر على عده انتهى.
باب من خشي الأسر فله أن يستأسر وله أن يقاتل حتى يقتل عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر رهطا عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لبني لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا أثرهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقال لهم: أنزلوا وأعطوا