كما تقدم في حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا، فإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينفل كما قال الحافظ قال: ولا أظنه عنى إلا الاحتمال الأول، أعني قوله: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وتمسك أيضا من قال: إنه أمنهم بما وقع عند ابن إسحاق في سياق قصة الفتح فقال العباس لعلي: أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة يخبرهم بما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة. ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك كما قال الحافظ. وروي ذلك عن الجماعة ما نصه:
أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قالا: يا رسول الله كنت حقيقا أن تجعل عدتك وكيدك لهوازن فإنهم أبعد رحما وأشد عداوة، فقال: إني لأرجو أن يجمعهما الله لي فتح مكة وإعزاز الاسلام بها وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم. فقال أبو سفيان وحكيم بن حزام: فادع الناس بالأمان أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم؟ قال: من كف يده وأغلق داره فهو آمن، قالوا: فابعثا نؤذن بذلك فيهم، قال: فانطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم فهو آمن، ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها. فلما توجها قال العباس : يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود الله، قال:
افعل. فذكر القصة. وفي ذلك تصريح بعموم التأمين، فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة. ثم قال الشافعي كانت مكة مؤمنة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح، وأما الذين تعرضوا للقتال والذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة. ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالقتال، وبين حديث عروة المتقدم المصرح بتأمينه صلى الله عليه وآله وسلم لهم.
وكذلك حديث سعد وحديث أبي بن كعب المذكوران بأن يكون التأمين علق على شرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال، فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن