فقد سبق القضاء بذلك، إلا أن السؤال علة للتحريم. وقال ابن التين قيل: الجرم اللاحق به إلحاق المسلمين المضرة لسؤاله، وهي منعهم التصرف فيما كان حلالا قبل مسألته.
وقال القاضي عياض: المراد بالجرم هنا الحدث على المسلمين لا الذي هو بمعنى الاثم المعاقب عليه، لأن السؤال كان مباحا ولهذا قال: سلوني. وتعقبه النووي فقال: هذا الجواب ضعيف أو باطل، والصواب الذي قاله الخطابي والتيمي وغيرهما أن المراد بالجرم الاثم والذنب، وحملوه على من سأل تكلفا وتعنتا فيما لا حاجة له به إليه، وسبب تخصيصه ثبوت الامر بالسؤال عما يحتاج إليه لقوله تعالى: * (فاسألوا أهل الذكر) * (النحل: 34) فمن سأل عن نازلة وقعت له لضرورته إليها فهو معذور فلا إثم عليه ولا عتب، فكل من الامر بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى. قال: ويؤخذ منه أن من عمل شيئا أضربه غيره كان آثما. وأورد الكرماني على الحديث سؤالا فقال: السؤال ليس بجريمة، ولئن كان فليس بكبيرة، ولئن كان فليس بأكبر الكبائر.
وأجاب أن السؤال عن الشئ بحيث يصير سببا لتحريم شئ مباح هو أعظم الجرم، لأنه صار سببا لتضييق الامر على جميع المكلفين، فالقتل مثلا كبيرة ولكن مضرته راجعة إلى المقتول وحده أو إلى من هو منه بسبيل، بخلاف صورة المسألة فضررها عام للجميع انتهى. وقد روي ما يدل على أنه قد وقع في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم من المسائل ما كان سببا لتحريم الحلال. أخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال: كان الناس يتساءلون عن الشئ من الامر فيسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حلال فلا يزالون يسألونه عن الشئ حتى يحرم عليهم. قوله: ذروني في رواية البخاري دعوني ومعناهما واحد. قوله: ما تركتكم أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشئ ولا نهى عن شئ. قال ابن فرج: معناه لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظاهره ولو كانت صالحة لغيره، كما أن قوله: حجوا وإن كان صالحا للتكرار فينبغي أن يكتفي بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة، فإن الأصل عدم الزيادة، ولا يكثر التعنت عن ذلك فإنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل في البقرة. قوله: واختلافهم يجوز فيه الرفع والجر.
قوله: فإذا نهيتكم هذا النهي عام في جميع المناهي، ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله، وإليه ذهب الجمهور، وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا: الاكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها. قوله: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم أي