معه حتى قاتلهم وهزمهم أن تكون البلد فتحت عنوة، لأن العبرة بالأصول لا بالاتباع، وبالأكثر لا بالأقل، كذا قال الحافظ في الفتح. ويجاب عنه بما تقدم في أول الباب من حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا لها وقالوا: نقدم هؤلاء الخ، فإنه يدل على أن غير الأوباش لم يرضوا بالتأمين، بل وقع التصريح في ذلك الحديث بأنهم قالوا: فإن كان للأوباش شئ كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سألنا. ومما احتج به الشافعي ما وقع في سنن أبي داود بإسناد حسن عن جابر أنه سئل: هل غنمتم يوم الفتح شيئا؟ قال: لا. ويجاب بأن عدم الغنيمة لا يستلزم عدم العنوة لجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عليهم بالأموال كما من عليهم بالأنفس حيث قال:
اذهبوا فأنتم الطلقاء ومن أوضح الأدلة على أنها فتحت عنوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: وإنما أحلت لي ساعة من نهار فإن هذا تصريح بأنها أحلت له في ذلك يسفك بها الدماء وأن حرمتها ذهبت فيه وعادت بعده، ولو كانت مفتوحة صلحا لما كان لذلك معنى يعتد به. وقد وقع في مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر واحتجت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد المذكورة، وقرر ذلك الحاكم في الإكليل وفيه جمع بين الأدلة. قال الحافظ في الفتح: والحق أن صورة فتحها كان عنوة، ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بأمان، ومنع قوم منهم السهيلي ترتب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا. وذكر المصنف رحمه الله لحديث عائشة وحديث علقمة بن نضلة في أحاديث الباب يشعر بأنه من القائلين بالترتب، ولا وجه لذلك لأن الامام مخير بين قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين وبين إبقائها وقفا على المسلمين ويلزم من ذلك منع بيع دورها وإجارتها.
وأيضا قد قال بعضهم: لا تدخل الأرض في حكم الأموال، لأن من مضى كانوا أن غلبوا على الكفار لم يغنموا إلا الأموال وتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض لهم عموما كما قال تعالى: * (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) * (المائدة: 21) الآية. وقال تعالى: * (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) * (الأعراف: 137) الآية.