الاحتمالات الأول، فإنه لم يجزه بأن يقره عند المسلمين، بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية أبيه فما خرج بذلك عن الفجور، لكن يعكر عليه ما في رواية الصحيح السابقة بلفظ: فقال مكرز قد أجزناه لك، يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك. قوله: فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين الخ زاد ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنا لا نغدر، وأن الله جاعل لك فرجا ومخرجا. قال الخطابي: تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين:
أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك، ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الايمان إن لم تمكنه التورية، فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية. والوجه الثاني : أنه إنما رده إلى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا. وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين. (واختلف العلماء) هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا؟ فقيل: نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير، وقيل: لا، وأن الذي وقع في القصة منسوخ، وأن ناسخه حديث أنا برئ من كل مسلم بين مشركين وقد تقدم وهو قول الحنفية.
وعند الشافعية يفصل بين العاقل وبين المجنون والصبي فلا يردان. وقال بعض الشافعية: ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب. قوله: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى زاد الواقدي من حديث أبي سعيد قال: قال عمر: لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط. قوله: فلم نعطي الدنية بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية. قوله: أو ليس كنت حدثتنا الخ، في رواية ابن إسحاق: كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون. وعند الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم. قال في الفتح: ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى، وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى