وعن ابن عمر قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا، ثم قلنا: لو عرضنا نفوسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال: من الفرارون؟ فقلنا: نحن الفرارون، قال: بل أنتم العكارون، أنا فئتكم وفئة المسلمين، قال: فأتيناه حتى قبلنا يده رواه أحمد وأبو داود.
حديث ابن عمر أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد انتهى. ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد من الأئمة. قوله: الموبقات أي المهلكات، قال في القاموس: وبق كوعد ووجل وورث، وبوقا هلك كاستوبق، وكمجلس المهلك والموعد والمجلس وواد في جهنم وكل شئ حال بين شيئين، وأوبقه حبسه وأهلكه اه. (وفي الحديث) دليل على أن هذه السبع المذكورة من كبائر الذنوب، والمقصود من إيراد الحديث ههنا هو قوله فيه: والتولي يوم الزحف فإن ذلك يدل على أن الفرار من الكبائر المحرمة، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الفرار من موجبات الفسق. قال في البحر مسألة: ومهما حرمت الهزيمة فسق المنهزم لقوله تعالى: * (فقد باء بغضب من الله) * (الأنفال: 16) وقوله:
الكبائر سبع إلا متحرفا لقتال وهو أن يرى القتال في غير موضعه أصلح وأنفع فينتقل إليه. قال ابن عباس: وكانت هزيمة المسلمين في أوطاس انحرافا من مكان إلى مكان، أو متحيزا إلى فئة وإن بعدت إذ لم تفصل الآية، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل غزوة مؤتة: أنا فئة كل مسلم الخبر ونحوه انتهى. ومن ذلك قوله في حديث الباب: أنا فئتكم وفئة المسلمين والأصل في جواز ذلك قوله تعالى: * (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) * (الأنفال: 16) وقد جوزت الهادوية الفرار إلى منعة من جبل أو نحوه وإن بعدت، ولخشية استئصال المسلمين أو ضرر عام للاسلام، وأما إذا ظنوا أنهم يغلبون إذا لم يفروا ففي جواز فرارهم وجهان: قال الامام يحيى أصحهما أنه يجب الهرب لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * (البقرة: 195) ولا إذ قال له رجل: يا رسول الله أرأيت لو انغمست في المشركين؟